وفي إعطائه الدور الرئيس، والقرار الحاسم، حتى في أمور ليس للعقل القدرة على الانطلاق في رحابها، بل ربما جعل من عقله هذا معيارا ومقياسا، مدعيا أنه يدرك علل الأحكام، فيعرض النصوص عليه، فإن أدرك مغزاها، وانسجم مع محتواها قبلها ورضيها، وإلا فلا يرى في رفضها، والحكم عليها بالوضع والدس أي حرج أو جناح.
ونوضح ذلك في ضمن فرضيتين يظهر منهما موضع الخلل:
إحداهما: إن ظاهر النص قد يتناقض مع حكم العقل، تناقضا ظاهرا وصريحا في أمر هو من شؤون العقل، ويكون للعقل فيه مجال، وله عليه إشراف. ففي هذه الحالة لا بد من تأويل النص بما يتوافق مع العقل، وينسجم مع قواعد التعبير.
فإن لم يمكن ذلك فلا بد من رده، ورفضه، وهذه الفرضية هي الصحيحة والمقبولة لدى العلماء.
الثانية: إن يعجز عقل الفرد عن إدراك وجه الحكمة أو العلة في ما تحدث عنه النص، كما لو تحدث النص عن أن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، أو تحدث عن أن الله سبحانه سيرجع في آخر الزمان أناسا من الأولياء، وأناسا من الأشقياء، فينال الأولياء الكرامة والزلفى، ويعاقب الأشقياء ببعض ما اقترفوه، ويشفي بذلك صدور المؤمنين.
فإذا عجز عقله عن تفسير ذلك الحكم، أو هذا الحدث الذي أخبر عنه النص، رأيته يبادر إلى رفضه، أو يطالب بتأويله، ويقول: إن المراد هو رجعة الدولة والنفوذ مثلا.
مع أنه لا مورد لذلك الرفض، ولا لتلك المطالبة بالتأويل.