كان علي هناك وسط الزحام، لم يخطر بباله يومئذ أن يكون هو الرجل الذي وعد الرسول أصحابه وجعله بشرى الفتح القريب. لم يخطر هذا الاختيار بباله لسبب يسير، هو أنه في ذلك اليوم كان يشكو رمدا في عينيه، لا يمكنه من العمل الصعب الذي تتطلبه مهمة ذلك اليوم المشهود ولكنه لبى نداء الرسول من فوره: ها أنا ذا يا رسول الله. وأشار إليه الرسول بيمينه ليتقدم منه، فتقدم البطل، ورأى الرسول ما بعينه من وجع واهتياج، فبلل أنامله المضيئة بريقه الطهور، ومس بها عين البطل...
ثم دعى بالراية فأمسكها، ورفعها إلى أعلى، وهزها ثلاثا، ثم غرسها في يمين علي، وقال: خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. دقائق لعلها لا تجاوز خمسا... ولكنها تمثل حياة كاملة لا منتهى لأبعادها، ولا غاية لأمجادها. حمل البطل الراية، وتقدم كتيبته يهرول هرولة... وهجمت كتيبة الإسلام تحت قيادة بطلها علي.
وفي وقت وجيز كانت القوة المنتصرة تردد من شرفات الحصن الذي سقط بكل ما فيه هتاف النصر.. الله أكبر.. خربت خيبر، وصدقت نبوءة الرسول التي قالها لابن عمه:
خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك، أجل.. لقد فتح الله عليه ومنحه النصر المرتجى (1).
الرضوي: أمن العدل والدين، أم من الإنصاف والشرف، أن يقدم في الخلافة على إمامنا هذا حبيب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من لا نصيب له في مشهد من المشاهد المشرفة والمواقف والمقامات المرموقة في الدين والسياسة والاجتماع؟ ما لكم لا تشعرون؟