الروض النضير في معنى حديث الغدير - فارس حسون كريم - الصفحة ١٥٠
قالوا: ذلك لواقعة زيد بن حارثة (1) حين قال له علي عليه السلام:
(١) أخرج الطبري في " المسترشد " أن جماعة من الصحابة كرهوا تأمير أسامة، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك، فخطب وأوصى به، ثم دخل بيته وجاء المسلمون يودعونه ويلحقون بأسامة، وفيهم أبو بكر وعمر، والنبي صلى الله عليه وآله يقول: " أنفذوا جيش أسامة " فلما بلغ الجرف بعثت أم أسامة وهي أم أيمن أن النبي صلى الله عليه وآلهيموت، فاضطرب القوم وامتنعوا عليه، ولم ينفذوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بايعوا لأبي بكر قبل دفنه فادعى القوم أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة.
فحدث الواقدي، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان فيهم أبو بكر، وحدث أيضا مثله، عن محمد بن عبد الله بن عمر، وذكره البلاذري في تاريخه، والزهري، وهلال بن عامر، ومحمد بن إسحاق، وجابر، عن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام، ومحمد بن أسامة، عن أبيه، ونقلت الرواة أنهما كانا في حالة خلافتهما يسلمان على أسامة بالإمرة.
وفي كتاب " العقد الفريد ": اختصم أسامة وابن عثمان في حائط فافتخر ابن عثمان، فقال أسامة: أنا أمير على أبيك وصاحبيه، فإياي تفاخر؟ ولما بعث أبو بكر إلى أسامة أنه خليفة، قال: أنا ومن معي ما وليناك أمرنا، ولم يعزلني رسول الله صلى الله عليه وآله عنكما، وأنت وصاحبك بغير إذني رجعتما، وما خفي على النبي صلى الله عليه وآله موضع وقد ولى عليكما، ولم يولكما.
فهم الأول أن يخلع نفسه فنهاه الثاني، فرجع أسامة ووقف بباب المسجد وصاح:
يا معاشر المسلمين، عجبا لرجل استعملني عليه فتأمر علي وعزلني.
ولو فرض أنهما لم يكونا فيه، أليس قد عطلاه بعدم تنفيذه، وعصيا أمر النبي صلى الله عليه وآله بتنفيذه؟
قال الحميري:
أسامة عبد بني هاشم * ومولى عتيق ومولى زفر لقد فضل الله ذاك ابن زيد * بفضل الولاء له إذ شكر على زفر وعتيق كما * رواه لنا فيهما من حضر ولو كان دونهما لم يكن * ليرجع فوقهما في الخبر فصيره لهما قائدا * فقالا له: قد سئمنا السفر وقال عتيق: ألا يا زفر * يكلفنا الغزو بعد الكبر فولا وماتا جميعا ولم * يطيعا أسامة فيما أمر وأنشأ الناشي، والعوني، وابن الحجاج، وديك الجن، والنمري والجزري أشعارهم في ذلك.
إن قيل: لو كانا فيها ورجعا لأنكروا عليهما.
قلنا: كان الحال وهو موت النبي صلى الله عليه وآلهيمنع الإنكار عليهما أو لم يعرف الكل الأمر بالكون فيه، أو جوزوا أن أسامة ردهما أو عاند بعض لغرضه في رجوعهما.
قال الجاحظ في الرسالةالعثمانية ص ١٦٩: لو جهد أحد على حديث أن أبا بكر كان في جيش أسامة لم يجده.
قلنا: ذكره منهم من لا يتهم عن البلاذري، وأسند أبو بكر الجوهري في كتاب " السقيفة ": أن أبا بكر وعمر كانا فيه - وقد سلف -.
قالوا: خطابه بالتنفيذ إنما هو لأسامة، لأنه الأمير.
قلنا: الأمر الفوري بالإنفاذ يتضمن الأمر بخروج كل شخص إذ لا يتم الجيش بدونه على أن لفظة " أنفذوا " تدل على الجميع.
قالوا: الأمر بالتنفيذ لا بد من شرطه بالمصلحة.
قلنا: إطلاق الأمر يمتنع من هذا الشرط، ولو كان كذلك لسرى في جميع أوامر الله، فإنها تابعة للمصلحة لأنها لا تفعل بشئ يحضر المصلحة.
إن قالوا: حروبه عليه السلام بالاجتهاد فجازت مخالفتها لمصلحة.
قلنا: لا، فإن أعظم تعلقها بالدين، ولو جاز الاجتهاد فيها جاز في الأحكام كلها فساغت المخالفة في جميعها.
قالوا: ترك علي المحاربة لمصلحة مع أمر الله بها.
قلنا: إنما ترك لفقد القدرة، أما الخروج في الجيش فقد كان فيه قدرة.
إن قالوا: رجع ليختاره النبي صلى الله عليه وآله للإمامة.
قلنا: خروجه لا يمنع النبي من اختياره، وأيضا فلم لم يخرج بعد البيعة له وقد زعمتم أن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالصلاة كيف ذلك وقد كان بروايتكم في جيش أسامة، وقد علم النبي صلى الله عليه وآله موت نفسه ونعاها قبل ذلك بشهر، كما رواه الواقدي، عن عبد الواحد بن أبي عون، فكذلك أخرج أبو بكر ومن خافه على تبديل أمره في جيش أسامة.
وقد ذكر أبو هاشم المغربي في كتابه الذي سماه " الجامع الصغير ": أن أبا بكر استرجع عمر من جيش أسامة وقد كان في أصحابه.