للبدعة الواجبة بالتدوين، وللبدعة المستحبة ببناء المدارس، مع أنهما ليسا من البدعة بمعناها الشرعي، لوجود أصل صالح لهما في الشريعة.
أو أنها عمل عادي يتم العمل بها ليس باسم الدين بل من أجل ضرورات تطور الحياة وطلب الراحة، فتكون خارجة عن موضوع البدعة بمعناها الشرعي أيضا مثل نخل الدقيق، فقد ورد أن أول شئ أحدثه الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخاذ المناخل ولين العيش من المباحات.
وهذه حالة يصح إطلاق البدعة عليها بمعناها اللغوي، أي الإتيان بشئ جديد لا على مثال سابق.
وقد وافق هذا القول جملة من المحققين منهم الشاطبي، قال: إن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه، لأنه من باب مضادة الشارع واطراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع.. وأيضا فلو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن الذم لم يتصور، لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون كذلك. وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها إذ لو قال الشارع: " المحدثة الفلانية حسنة " لصارت مشروعة، ولما ثبت ذمها ثبت ذم صاحبها لأنها ليست بمذمومة من حيث تصورها فقط، بل حيث اتصف بها المتصف، فهو إذن المذموم على الحقيقة، والذم خاصة التأثيم، فالمبتدع مذموم آثم، وذلك على الاطلاق والعموم (1).