أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني..) (1).
هكذا يتوهم هؤلاء أنهم بقيامهم ببعض الأعمال ذات الطابع العبادي، يجهدون بها أنفسهم، إنما يتقربون بذلك إلى الله أكثر مما لو اقتصروا على ما جاءت به الشريعة من الأعمال العبادية.
ومثل ما يتحدث القرآن الكريم عن الجهاد في سبيل الله، فإنه يتحدث أيضا عن نصيب الحياة الذي يجب أن يأخذه الإنسان من دنياه: * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة...) * (2).
إن القرآن الكريم وفي أماكن متعددة يشجب ظاهرة الرهبنة وتحميل النفس للمشاق والصعوبات البالغة مما لم يأمر به الله سبحانه وتعالى، وفي مقابل ذلك وجه الإنسان والمجتمع نحو السلوك المتوازن الذي يحفظ معا حق الله وحق الناس وحق النفس.
إن ظاهرة الرهبنة تعبر عن أوضح صورة لاعتزال الحياة وبالتالي انصراف الإنسان عن دوره الرسالي التغييري، وهي تنشأ عادة لدى الأفراد بسبب الاعتقاد بأن تكثيف الجانب الروحي العبادي على حساب