البدعة مفهومها وحدودها - مركز الرسالة - الصفحة ٤٤
إن البدعة بالمعنى اللغوي قد تكون لها علاقة بالدين وقد لا تكون كذلك، وهي تنقسم إلى قسمين، إذ إن كل شئ محدث مفيد للحياة الإنسانية من العادات والتقاليد والرسوم إذا تم أداءه من دون اعتباره جزء من الدين ولم يكن محرما " بذاته " كان بدعة حسنة، مثل الاحتفال بيوم الاستقلال، أو الاجتماع للبراءة من المشركين، أو الاحتفال التأبيني لتكريم بطل من أبطال الأمة، وبشكل عام فإن ما هو حلال بالذات لا مانع من أن تتفق عليه الأمة وتتخذه عادة متبعة في المناسبات، ما لم يرد فيه نهي فهو بهذا المعنى بدعة لغوية.
أما إذا كان محرما " بالذات " مثل سفور النساء أمام الرجال، فلو أصبح ذلك رائجا واتخذ عادة وتقليدا، فإنه أمر محرم بالذات، أي أنه عصيان للأمر الإلهي والتشريع، وهذه الحرمة لا تتأتى من كونه بدعة بالمعنى الشرعي بمعنى التدخل في أمر الدين وإنكار أن الحجاب جزء من التشريع الديني، فالقائلون بالسفور يحتجون بأن ذلك جزء من مقتضيات العصر والحضارة مع الاعتراف بأنه مخالف للشريعة، ولو قيل أن السفور بدعة قبيحة فذلك بمعناها اللغوي لا بمعناها الشرعي.
ويتضح من خلال ذلك أن أكثر الذين أطنبوا في الحديث في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة قد خلطوا بين المعنى اللغوي للبدعة وبين معناها الشرعي، مستشهدين بذلك بأمثلة زاعمين أنها من البدع بمعناها الشرعي مع أن أمرها يدور بين أمرين:
فهي أما أن يعمل بها باسم الدين والشريعة، ويكون لها أصل فيهما، فتخرج بذلك عن دائرة البدعة، مثل تدوين الكتاب والسنة إذا توفرت الخشية عليهما من التلف والضياع، وبناء المدارس وغيرها، فمثلوا
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»
الفهرست