وأما قوله: أقضاكم علي. فلم يروه أحد من أهل الكتاب الستة، ولا أهل المسانيد المشهورة، لا أحمد ولا غيره بإسناد صحيح ولا ضعيف. وإنما يروى من طريق من هو معروف بالكذب، ولكن قال عمر بن الخطاب: أبي بكر (كذا) أقرؤنا وعلي أقضانا، وهذا ما قاله بعد موت أبي بكر...
وأما حديث: أنا مدينة العلم. فأضعف وأوهى، ولهذا إنما يعد في الموضوعات المكذوبات، وإن كان الترمذي قد رواه. ولهذا ذكره الجوزي في الموضوعات وبين أنه موضوع من سائر طرقه. والكذب يعرف من نفس متنه لا يحتاج إلى النظر في إسناده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم، لم يكن لهذه المدينة إلا باب واحد، ولا يجوز أن يكون المبلغ عنه واحدا، بل يجب أن يكون المبلغ عنه أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب...
وهذا الحديث إنما افتراه زنديق أو جاهل ظنه مدحا وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في علم الدين إذا لم يبلغه إلا واحد من الصحابة.
ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر فإن جميع مدائن المسلمين بلغهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي رضي الله عنه، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهم ظاهر. وكذلك أهل الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا، وإنما غالب علمه كان في أهل الكوفة، ومع هذا فقد كانوا تعلموا القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلا عن خلافة علي، وكان أفقه أهل المدينة وأعلمهم تعلموا الدين في خلافة عمر.
وقبل ذلك لم يتعلم منهم من علي شيئا إلا من تعلم منه لما كان باليمن، كما تعلموا حينئذ من معاذ بن جبل، وكان مقام معاذ بن جبل في أهل اليمن