بالعظيم، وإن كان المثل أعظم من كل عظيم، كما مثل في الإنجيل على الصدور بالنخالة، والقلوب القاسية، بالحصاة، ومخاطبة السفهاء، بإثارة الزنابير، وجاء في كلام العرب: أسمع من قراد، وأطيش من فراشة، وأعز من مخ البعوض. (1) وربما يتصور أن التمثيل بالأشياء الحقيرة الخسيسة لا يليق بكلام الفصحاء، وعلى هذا فالقرآن المشتمل على النمل والذباب والعنكبوت والنحل لا يكون فصيحا فضلا عن كونه معجزا.
وأجاب عنه صدر المتألهين الشيرازي (المتوفى عام 1050 ه) بقوله: إن الحقارة لا تنافي التمثيل بها، إذا شرط في المثال أن يكون على وفق الممثل له من الجهة التي يستدعي التمثيل به كالعظم والحقارة، والشرف والخساسة، لا على وفق من يوقع التمثيل ويضرب المثال، لأن الغرض الأصلي منه إيضاح المعنى المعقول، وإزالة الخفاء عند إبرازه في صورة المشاهد المحسوس، ليساعد فيه الوهم العقل ولا يزاحمه، فإن العقل الإنساني ما دام تعلقه بهذه القوى الحسية لا يمكنه إدراك روح المعنى مجردا عن مزاحمة الوهم ومحاكاته، لأن من طبعه كالشياطين الدعابة في التخييل وعدم الثبات على صورة.
ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية، وفشت في عبارات الفصحاء من العرب وغيرهم، وكثرت في إشارات الحكماء ومرموزاتهم، وصحف الأوائل ومسفوراتهم، تتميما للتخيل بالحس، فهناك يضاعف في التمثيل، حيث يمثل أولا المعقول بالمتخيل، ثم يمثل المتخيل بالمرسوم المحسوس المهندس المشكل. (2) ثم إنه سبحانه يذكر أن الناس أمام الأمثال على قسمين: