القول بعدم إيمانهم منذ البداية، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق، ولكنهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك و تعالى.
والحاصل: أن حال هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر كحال من ضل في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار فأوقد نارا لإنارة طريقه فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.
وهذا التمثيل الذي برع القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة، ومقتضى التمثيل أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثم ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه، وبالتالي يكونوا صما بكما عميا لا يهتدون، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن، وسنة الرسول، حيث كانوا يتشرفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله، فهم بذلك كمن استوقد نارا للهداية، فلما أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحق تمردوا على الله بنفاقهم، فخرجوا عن كونهم أهلا للتوفيق والتسديد، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمارة وأهوائهم الخبيثة، وعمتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم.
وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المثل بقوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله) وتم المثل إلى هنا.
ثم ابتدأ بذكر الممثل بقوله: (ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون).
فإن قلت: فعلى هذا فما هو جواب " لما " في قوله (فلما أضاءت)؟