وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن النفاق بؤرة الخطر، وأنهم يشكلون خطورة جسيمة على المجتمع الإسلامي. وقد مثل بمثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر.
بدأ كلامه سبحانه في حقهم بأن المنافقين هم الذين يبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون).
ثم إنه سبحانه يرد عليهم، بقوله: (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) والمراد أنه سبحانه يجازيهم على استهزائهم.
ثم وصفهم بقوله: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، واستبدلوا الكفر بالإيمان، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال، ثم وصفهم بالتمثيل الآتي:
نفترض أن أحدا، ضل في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبط فيه، ولا يمكن أن يهتدي - والحال هذه - إلا بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنب المزالق الخطيرة، وما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده، فعاد إلى حيرته الأولى.
فحال المنافقين كحال هذا الرجل حيث إنهم آمنوا بادئ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه، لكنهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلا.
هذا على القول بأن المنافقين كانوا مؤمنين ثم عدلوا إلى الكفر، وأما على