في الدنيا والآخرة وليس هو إلا الله سبحانه الذي ينفعني، فكيف أترك عبادة الخالق الذي بيده كل شئ، وأتوجه إلى عبادة المخلوق (الآلهة المزيفة) التي لا تستطيع أن تدفع عني ضرا ولا تنفعني شفاعتهم؟! فلو اتخذت إلها غيره سبحانه كنت في ضلال مبين، فلما تم حجاجه مع القوم وعزز الرسل وبين برهان لزوم اتباعهم، أعلن، وقال: أيها الناس: (إني آمنت بربكم فاسمعون).
ثم يظهر من القرائن إن القوم هجموا عليه وقتلوه، ولكنه سبحانه جزاه، فأدخله الجنة، وهو فرح مستبشر يود لو علم قومه بمصيره عند الله.
فلما تبين عناد القوم وقتل من احتج عليهم بحجج قوية نزل عذابه سبحانه، فعمتهم صيحة واحدة أخمدت حياتهم وصيرتهم جمادا.
ففي هذه اللحظة الحاسمة التي يختار الإنسان الضلالة على الهداية، والباطل على الحق، يصح أن يخاطبهم سبحانه، ويقول:
(يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون).
هذه حقيقة القصة استخرجناها بعد الإمعان في الآيات، وقد أطنب المفسرون في سرد القصة، نقلا عن مستسلمة أهل الكتاب الذين نشروا الأساطير بين المسلمين، نظراء وهب بن منبه، فلا يمكن الاعتماد على كل ما جاء فيها. (1) ثم إن في الآيات نكات جديرة بالمطالعة:
الأولى: يذكر المفسرون أن الرسولين لم يكونا مبعوثين من الله مباشرة، وإنما بعثا من قبل المسيح (عليه السلام). مثل الرسول الثالث، ولما كان بعث المسيح بأمر من الله سبحانه، نسب فعل المسيح إليه سبحانه، وقال: (إذ أرسلنا إليهم اثنين).