وناديا أهل القرية بأنا إليكم مرسلون، فواجها تكذيب القوم وضربهما، فعززهما سبحانه برسول ثالث، واختلف المفسرون في اسم هذا الثالث، ولا يهمنا تعيين اسمه، وربما يقال إنه " بولس ". فعند ذلك أخذ القوم بالمكابرة والمجادلة والعناد، محتجين بوجوه واهية:
أ: أنكم بشر مثلنا ولا مزية لكم علينا، وما تدعون من الرسالة من الرحمن ادعاء كاذب، فأجابهم الرسل بأنه سبحانه يعلم أنا لمرسلون إليكم، وليس لنا إلا البلاغ كما هو حق الرسل.
ب: إنا نتشاءم بكم، وهذه حجة العاجز التي لا يستطيع أن يحتج بشئ، فيلوذ إلى اتهامهم بالتشاؤم والتطير.
ج: التهديد بالرجم إذا أصروا على إبلاغ رسالتهم والدعوة إلى التوحيد والنهي عن عبادة الأوثان، وقد أجاب الرسل بجوابين:
الأول: إن التشاؤم والتطير معكم، أي أعمالكم وأحوالكم، وابتعادكم عن الحق، وانكبابكم على الباطل هو الذي يجر إليكم الويل والويلات.
الثاني: إنكم قوم مسرفون، أي متجاوزون عن الحد.
كان الرسل يحتجون بدلائل ناصعة وهم يردون عليهم بما ذكر، وفي خضم هذه الأجواء جاء رجل من أقصى المدينة نصر وعزز قول الرسل ودعوتهم محتجا بأن هؤلاء رسل الحق، وذلك للأمور التالية:
أولا: إن دعوتهم غير مرفقة بشئ من طلب المال والجاه والمقام، وهذا دليل على إخلاصهم في الدعوة، وقد تحملوا عناء السفر وهم لا يسألون شيئا.
ثانيا: إن اللائق بالعبادة من يكون خالقا أو مدبرا للعالم، ومن بيده مصيره