ولما بلغ من العمر السابعة عشر أو الثامنة عشر على زمن المستعين تمكن من ركوب بغل غير مروض للخليفة. وقد أشيع بأن الخليفة كان يأمل أن يقتله البغل. وقد اندهش عندما رأى أن الإمام تمكن من البغل تمكنا تاما. وهناك حكاية ظريفة عن الصعوبات التي تجشمها أبوه في سبيل الحصول على جارية نصرانية، وقد طلب من صديقه بشر بن سليمان أن يؤدي له هذه المهمة، فكتب له كتابا بخط رومي، وطبع عليه خاتمه الشريف وأخرج شققة حمراء فيها مائتان وعشرون دينارا وقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زوارق السبايا رأيت الجواري فيها ستجد طرائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب. فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا لابسة حريرين صفيقين تمنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق فاعلم أنها تقول: واهتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين: علي بثلاث مائة دينار، فقد زاد بي العفاف فيها رغبة. فتقول له بالعربية: لو برزت في زي سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك. فيقول النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك؟ فتقول الجارية: وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته. فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معك كتابا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ووصف فيه كرمه ووفاؤه ونبله وسخاؤه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيلة في ابتياعها منك.
قال بشر: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (ع) في أمر الجارية. فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها. فمازلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (ع) من