وبآرائهم. وإن هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلا، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدي العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت. وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم.
ونحن نرى أن الأخذ بهذين الأصلين القويمين، والنظر إلى رعاية أمري الحيطة والحرمة ومراقبتهما، يحتم على أهالي الحرمين الشريفين:
مكة والمدينة، واللائذين بجنابهما، والقاطنين في ساحتهما أن يتخذوا من تربتهما أقراصا وألواحا مسجدا لهم، أخذا بالأصلين وتخلصا من حرارة حصاة المسجد الشريف القارصة أيام الظهائر وشدة الرمضاء، يسجدون عليها في حضرهم، ويحملونها معهم مسجدا طاهرا مباركا في أسفارهم سيرة السلف الصالح نظراء الفقيه مسروق بن الأجدع كما سمعت حديثه، ويجعلونها في يد تناول الزائرين والحجاج والوافدين إلى تلكم الديار المقدسة من الحواضر الإسلامية، تقتنيها الأمة المسلمة مسجدا لها، في الحضر والسفر، وتتخذها تذكرة وذكرى لله ولرسوله ولمهابط وحيه، تذكرها ربها ونبيها متى ما ينظر إليها، وتشمها وتستشم منها عرف التوحيد والنبوة، وتكون نبراسا في بيوت المسلمين تتنور منها القلوب، وتستضئ بنورها أفئدة أولي الألباب، ويتقرب المسلمون إلى الله تعالى في كل صقع وناحية في أرجاء العالم بالسجود على تربة أفضل بقعة اختارها الله لنفسه بيت أمن ودار حرمة وعظمة وكرامة، ولنبيه حرما ومضجعا مباركا.
وفيها وراء هذه كلها دعاية كبيرة قوية عالمية إلى الإسلام، وإلى كعبة عبادته وعاصمة سنته، وصاحب رسالته، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه.