والأنسب بالسجدة التي إن هي إلا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولى سبحانه، ووجاء كبريائه، أن تتخذ الأرض لديها مسجدا يعفر المصلي بها خده ويرغم أنفه، لتذكر الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها، وإليها يعود، ومنها يعاد تارة أخرى، حتى يتعظ بها، ويكون على ذكر من وضاعة أصله، ليتأتى له خضوع روحي، وذل في الباطن، وانحطاط في النفس، واندفاع في الجوارح إلى العبودية، وتقاعس عن الترفع والأنانية، ويكون على بصيرة من أن المخلوق من التراب حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس إلا.
ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباج والحرير، وأمثاله من وسائل الدعة والراحة، مما يري للانسان عظمة في نفسه، وحرمة وكرامة ومقاما لديه، ويكون له ترفعا وتجبرا واستعلاء وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع.
وها نحن نقدم إلى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست، وغيرها من أمهات المسانيد والسنن، من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقة لا محيد عنها، وهي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
ما يدل على السجود على الأرض.
1 - جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ الترمذي: جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا.
عن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة وأنس، وأبي أمامة، وأبي ذر.