حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٥١
وقال عتبة: سلوا محمدا في طريقكم أن يأتيكم بمعجزة إن كان نبيا كما يزعم، فليكشف عن (مكة) هذه الجبال التي تضيق علينا الأرض، ويبسطها سهولا كسهول العراق، ويفجر فيها ينابيع وأنهارا كدجلة والفرات وبردى، أو ليحول هذه الجبال ذهبا وكنوزا تغنينا عن التجارة وتجشم الأسفار، أو ليبعث لنا من مضى من آبائنا نسألهم عما يقول، أصدق هو أم كذب، وحق هو أم باطل، فإن استكثر بعث آبائنا كلهم، فاكتفوا منه بقصي فإنه كان شيخ صدق، فإن أبى فسلوه أن يسقط علينا كسفا من السماء، أو يأتينا بعذاب أليم كما يزعم.
وشهد الإسلام بعد هذا اليوم اضطهادا لم يعهد في التاريخ، خرج محمد فوجد التراب جريئا عليه، فما لقي حرا ولا عبدا إلا آذاه، وسخر منه، وحاكى منطقه، وقلد مشيته، وما كان الهواء في يومه ذاك إلا منتنا عفنا كريها، ولكنه على ذلك نشيط يدعو ويعظ، ويقرأ، ويقبل على السفهاء رضيا باشا يضع أصابعهم على أخطائهم، ويفتح أجفانهم على جيفهم، فإذا انتهى النهار، وانطفأت جمرته المتوهجة، وأقبل المساء مشعشع النجوم، رجع أبو القاسم إلى بيته منهكا لو كانت الأثقال تنهك نبيا مثله، حزينا مثخن النفس بجراح ليس له بها عهد، ولا يعود إلا محموما تمشي الحمى في أوصاله مشية راجفة تضطره تلك الليلة أن يزور فراشه ويتدثر ببرده الحضرمي الأخضر.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست