وأما حادثة الجارية وتظاهر عليه السلام بأنه لا يعلم ابن هي من بيوت الدار، وإنكار على من يقول بأنهم يعلمون الغيب، فلا يخفى شأنه على ذي بصيرة لأنهم أعلم الناس بالناس وأعرفهم بضعف عقولهم، وعدم تحملهم. فلو أنهم كانوا يتظاهرون دوما بما منحوا من ذلك العلم لأعتقد بهم أهل الضعف أنهم أرباب أو غير ذلك مما يؤول إلى الشرك، ولقد اعتقد بهم ذلك كثير من الناس من البدء حتى اليوم، على أنهم كانوا ينفون عنهم تلك المقدرة وذلك العلم أحيانا، وليسوا بأهل السلطة ليقيموا أود الناس بالتأديب بعد الوعظ والزجر، كما سبق لأمير المؤمنين (ع) مع أصحاب ابن سبأ.
بل كانوا غرضا لفراعنة أيامهم، وهدفا لنبالهم، ولم يكونوا بذلك المظهر عندهم، فلو تظاهروا بتلك الخلة كيف ترى يحمل الحسد أولئك الطواغيت على الفتك بهم، وهم المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، وأي حائل - يحجز عما يريدونه بهم وبأوليائهم.
وإنهم لم يطلعوا أعدائهم ولا سواد أوليائهم على جميع ما رزقوا من ذلك الفضل، وقد لاقوا من المصائب والنوائب، والحوادث والكوارث، والوقائع والفجائع ما تسيخ منه شم الجبال، وتشيب من هوله الرضع، ولو لم يكونوا رزقوا ذلك الجلد والصبر على قدر ما رزقوا من الفضل لما استطاع أن يحمل - ما تحملوه - بشر، وهل مات أحد منهم حتف أنفه دون أن يتجرع غصص السم النقيع، أو يصافح حدود الصوارم، ويعتنق قدود الرماح، هذا فوق ما يرونه من الهتك