الحكم هاهنا كالحكم في ولي المرأة إذا زوجها من كفوين دفعة لأنا نقول إبطال العقدين في المرأة لا يؤدي إلى الفتن وإثارة الفساد، بخلاف صورة النزاع، لأنه مع إبطالهما لا أولوية في تخصيص بعض البلاد بأن ينصب أهلها الرئيس العام دون بعض، فيستمر حال النزاع مع الإبطال، كما استمرت مع العقد ونفوذه.
الوجه الرابع عشر: تفويض الإمام إلى الاختيار يؤدي إلى الفتن والتنازع ووقوع الهرج والمرج بين الأمة وإثارة الفساد، لأن الفساد مختلفو المذاهب متباينو الآراء والاعتقادات، فكل صاحب مذهب يختار إماما من أهل نحلته (وعقيدته) ولا يمكن غيره ممن ليس من أهل نحلته أن يختار الإمام، فالمعتزلي يريد إماما معتزليا، وكذا الجبري والخارجي وغيرهم، فإذا اختار كل واحد منهم إماما من أهل نحلته نازعتهم الفرقة الأخرى وذلك هو الهرج العظيم، وقد كان في شفقة الرسول صلى الله عليه وآله بأمته ورحمة الله تعالى على عباده ما يزيل ذلك، مع أنه تعالى نص على أحكام كثيرة لا يبلغ بعضها بعض نفع الإمامة، فكيف يليق من رحمة الله تعالى ومن شفقة رسوله إهمال الرعايا وتركهم همجا يموج بعضهم في بعض؟ هذا مناف لعنايته تعالى ولا يرتضيه عاقل لنفسه مذهبا.
لا يقال إن ذلك لم يقع لأنا نقول هذا جهل تام، ولو لم يكن إلا ما في زمن علي عليه السلام ومعاوية والحروب التي وقعت بينهم لكفى، وكذا في زمن الحسن والحسين عليهما السلام، ثم عدم الوقوع في الماضي لا يستلزم عدمه في المستقبل، وأيضا مجرد التجويز كاف في منع استناد الإمامة إلى الاختيار (1).