كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٥٢
الحكم هاهنا كالحكم في ولي المرأة إذا زوجها من كفوين دفعة لأنا نقول إبطال العقدين في المرأة لا يؤدي إلى الفتن وإثارة الفساد، بخلاف صورة النزاع، لأنه مع إبطالهما لا أولوية في تخصيص بعض البلاد بأن ينصب أهلها الرئيس العام دون بعض، فيستمر حال النزاع مع الإبطال، كما استمرت مع العقد ونفوذه.
الوجه الرابع عشر: تفويض الإمام إلى الاختيار يؤدي إلى الفتن والتنازع ووقوع الهرج والمرج بين الأمة وإثارة الفساد، لأن الفساد مختلفو المذاهب متباينو الآراء والاعتقادات، فكل صاحب مذهب يختار إماما من أهل نحلته (وعقيدته) ولا يمكن غيره ممن ليس من أهل نحلته أن يختار الإمام، فالمعتزلي يريد إماما معتزليا، وكذا الجبري والخارجي وغيرهم، فإذا اختار كل واحد منهم إماما من أهل نحلته نازعتهم الفرقة الأخرى وذلك هو الهرج العظيم، وقد كان في شفقة الرسول صلى الله عليه وآله بأمته ورحمة الله تعالى على عباده ما يزيل ذلك، مع أنه تعالى نص على أحكام كثيرة لا يبلغ بعضها بعض نفع الإمامة، فكيف يليق من رحمة الله تعالى ومن شفقة رسوله إهمال الرعايا وتركهم همجا يموج بعضهم في بعض؟ هذا مناف لعنايته تعالى ولا يرتضيه عاقل لنفسه مذهبا.
لا يقال إن ذلك لم يقع لأنا نقول هذا جهل تام، ولو لم يكن إلا ما في زمن علي عليه السلام ومعاوية والحروب التي وقعت بينهم لكفى، وكذا في زمن الحسن والحسين عليهما السلام، ثم عدم الوقوع في الماضي لا يستلزم عدمه في المستقبل، وأيضا مجرد التجويز كاف في منع استناد الإمامة إلى الاختيار (1).

(1) على أنه لو سلمنا أن الاختيار لا يؤدي إلى الفتنة والتنازع والفوضى ولكن متى اتفقت الأمة أو اتفق على الاختيار، ومتى ملكت أو تملك الاختيار ومتى قدرت أو تقدر على الاختيار الأصلح، فما ذاك إلا فرض ما كان ولكن يكون إلى آخر الأبد فما الجدوى في الجدال في مثل هذه الفروض؟ فلا إمامة قامت أو تقوم بالاختيار بين المسلمين من البدء حتى الساعة وإلى أن تقوم الساعة.
ولو قيل: إن إمامة بعضهم وإن لم يرض جميع المسلمين بها من البدء ولكن رضاهم ولو بعد حين كاف في صحة إمامته، لقلنا: إن عمل القائم بالأمر في شؤون المسلمين باسم الخلافة قبل الاجماع عليه عمل باطل وتصرفه تصرف غير صحيح ومن يرتكب الباطل كيف تصح إمامته - لا ينال عهدي الظالمين - فهو قبل الاجماع لا إمامة له، وبعد الاجماع أصبح ظالما لا تصح إمامته لما كان منه من تصرف وعمل باسم الخلافة قبل الخلافة، وإلا لجاز تصرف كل أحد في شؤون المسلمين بأمل أن يختاروه ولو بعد حين للإمامة، وإذا تصدى بعضهم لأن يختاروه فلا يجعله إماما عند التصدي، ولا يقين بأنه سوف يلبس حلتها، فلا إمامة له حين العمل لعدم الاجماع عليه، ولا بعد العمل لأن العمل أبعده عنها.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست