كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٥٦
الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا، أن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين، اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم، وتظنون بالله الظنونا) * وغير ذلك من الآيات الدالة على النهي عن اتباع الظن، فكيف يكون طريقا في إثبات مسألة علمية وحكم عام يعم به البلوى؟ لا يقال:
الشارع قد أمر باتباع الظن في قبول الشهادات والمسائل الفروعية. لأنا نقول: العام إذا خص بدليل لا يخرج عن دلالته في ما عدا محل التخصيص.
الوجه الثامن عشر: لو ثبتت الإمامة بالاختيار لكان لمن يثبتها باختياره أن يبطلها ويزيلها باختياره كما في الأمير والقاضي، وإذا لم يعمل في إزالتها علمنا أنه لا يعمل في ثبوتها (1) لا يقال: هلا كان الأمر فيها كالأمر في ولي المرأة، أنه يملك تزويجها ولا يملك فسخ العقد بعد التزويج، لأنا نقول:
الفرق ظاهر فإن الشارع جعل لإزالة قيد النكاح سببا مخصوصا غير منوط بنظر الولي ولا بنظر المرأة، بل بالزوج بخلاف ولاية الإمامة فإنها منوطة باختيار العامة لمصلحتهم على تقدير ثبوتها به.
الوجه التاسع عشر: لو كان لجماعة أن تولي الإمام لكان الإمام خليفة لها على نفسها، وليس للإنسان أن يستخلف على نفسه، كما ليس له أن يحكم لنفسه وهو يبطل الاختيار. لا يقال: هلا كان من ذلك كحدوث حادثة للمجتهد، فإذا اجتهد وعمل فإنه لا يكون ذلك حكما لنفسه أو على نفسه بل يكون حكما لله وللرسول عليه السلام بشرط اجتهاده، وكذلك المختارون إذا اختاروا الإمام: لأنا نقول: الفرق ظاهر فإن حكم الله تعالى

(1) قد يقال: إنه لا تلازم بين الاثبات والإزالة: فإن كثيرا من الهبات والعقود والايقاعات يقدر المرء على إثباتها ولا يقدر على إزالتها، نعم إلا بشروط خاصة، ومثلها الإمامة بالاختيار، فإنه يمكن إزالتها أيضا بشروط خاصة، كما إذا فسق أو كفر أو ما سوى مما يقتضي بعزلة، فثبوت الإمامة لا يلزم إزالتها على أنه يمكن أن يكونا معا بيد الأمة، فكما كان الثبوت بشروط تكون الإزالة أيضا بشروط، نعم إنما تمنع أن يكون أصل ثبوتها بيد الأمة لبراهين تقدم شطر منها ويأتي الشطر الآخر.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست