كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٥٥
به النبوة لاشتراكهما في جميع المصالح المطلوبة منهما (1) والتالي باطل قطعا، فكذا المقدم لا يقال الفرق أن النبي صلى الله عليه وآله يتلقى منه المصالح الشرعية فلا بد من يثبت نبوته بطريق يؤمن عنده من جواز الخطأ عليه والكتمان والتغيير، وليس كذلك الإمام لأنه يراد لما يراد له الأمراء والقضاة وغيرهم ممن يستعان به في الدين، ولا يمتنع أن يثبت إمامته بالاختيار، لأنا نقول:
الإمام أيضا يراد لتعريف الشرع وحفظه وصيانته عن التغيير والتبديل لعصمته بخلاف غيره من الأمة، ويجب اتباعه وطاعته والانقياد إلى قوله: فلا بد من أن يثبت إمامته بطريق يؤمن عنده من جواز الخطأ.
الوجه السابع عشر: الصفات المشترطة في الإمام خفية لا يمكن الاطلاع عليها للبشر كالإسلام والعدالة والشجاعة والعفة وغيرها من الكيفيات النفسية (2) فلو كان نصبه منوطا باختيار العامة لكان إما أن يشترط العلم بحصولها في المنصوب بالاختيار، وهو تكليف ما لا يطاق، أو يشترط الظن، وقد نهى الشرع عن اتباعه قال الله سبحانه وتعالى: * (إن يتبعون إلا

(1) قد تمنع دعوى اشتراك النبي والإمام في جميع المصالح، لأن وظيفة النبي التشريع والتبيلغ عن الله تعالى، وهذا لا يقوم به سائر البشر، وأما الإمام فليس من وظيفته التشريع والتبليغ، وإنما يراد منه حفظ ما شرعه وبلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فالأصح في الجواب ما ذكره أخيرا من أن الإمام يراد منه تعريف الشرع وحفظه وصيانته عن التغيير والتبديل بخلاف غيره من الأمة، وإذا جاز عليه الخطأ لم يحصل منه المراد، فلا بد من عصمته ليقوى على القيام بهذه الوظائف.
(2) قد يقال: إن عدم إمكان الاطلاع على الصفات النفسية ممنوع، لا سيما في مثل ما ذكره من الصفات، وإلا كيف تحكم الناس فيما بينهم من بعضهم على بعض بالاسلام والعدالة وما سواها، وأما مثل الشجاعة، فأمرها بارز، نعم إنما يشكل الحال في السياسة وغنى النفس عما في أيدي الناس وأمثالهما من الصفات التي لا تعرف إلا بعد الاختبار لا سيما إذا اعتبرنا الأفضلية فيها، فإنه يدور الأمر بين القناعة بالإمام المفضول أو العاري عن بعض صفات الفضل وبين الاختبار زمنا طويلا ليقع الاختيار على الأفضل على أنه كيف نظفر بالأفضل وبنوا الإسلام ما أكثرهم والبلاد ما أوسعها؟ ومن الذي يختار فترضى الأمة باختياره؟ ومن قائد الأمة وسائسها وحافظ الدين أيام الاختبار؟ إلى أمور جمة لا يمكن الالتزام بها إذا قلنا بالاختيار، ولكن ذلك كله لا يرد على القول بوجوب نصب الإمام عليه عز شأنه.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست