كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٤٧
كل واحد منهم يختار رئيسا، وذلك فتح باب عظيم للفساد ومناف للحكمة الإلهية (1) تعالى الله عن ذلك.
الوجه الخامس: إن الله تعالى قد بين جميع أحكام الشريعة أجلها وأدونها حتى بين الله تعالى كيفيات الأكل والشرب وما ينبغي اعتماده في دخول الخلاء والخروج منه والعلامات الجليلة والحقيرة، فكيف يهمل مثل هذا الأصل العظيم ويجعل أمره إلى اختيار المكلفين مع علمه تعالى باختلافهم وتباين آرائهم وتنافر طباعهم.
الوجه السادس: القول الذي حكيناه عن الجويني (2) ينافي مذهبهم من استناد الأفعال إلى قضاء الله وقدره وإنه لا اختيار للعبد في أفعاله بل هو يجبر عليها مقهور لا يتمكن من ترك فعله (3).
الوجه السابع: القول باستناد الإمامة إلى الاختيار مناقض للغرض ومناف للحكمة، لأن القصد من نصب الإمام امتثال الخلق لأوامره ونواهيه والانقياد إلى طاعته، وسكون نائرة الفتن وإزالة الهرج والمرج وإبطال التغلب والمقاهرة، وإنما يتم هذا الغرض ويكمل المقصود لو كان الناصب للإمام عين المكلفين لأنه لو استند إليهم لاختيار كل منهم من يميل طبعه إليه، وفي ذلك

(١) فإن حكمته تعالى في توحيد الزعيم جلية، لأن الأمة تكون جميعها متمسكة بحبل واحد، ويكون قائدها واحدا، ودليلها واحدا، وفي ذلك من الفوائد دنيا ودينا ما لا يخفى على أحد، فيما إذا كان الزعيم جامعا للشروط.
(2) إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي، حكي أنه جاور بمكة المكرمة أربع سنين وبالمدينة المنورة يدرس ويفتي، فلذا لقب بإمام الحرمين، وله مصنفات كثيرة توفي عام 478 ه‍ بنيسابور وجوين ناحية من نواحي نيسابور.
(3) فإن قلت: إن قولهم بأن اختيار الإمام من الأمة أيضا راجع إليه سبحانه لسلبه الاختيار منهم، وإنما نسمي ذلك اختيارا منهم تجوزا، لاستنادها ظاهرا إليهم، وهذا لا ينافي قولهم باستناد الأفعال إلى قضائه تعالى حقيقة، قلنا: فلماذا إذن هذا النزاع والجدال، فالأحرى تسليمهم للقائلين بأن نصب الإمام منه عز شأنه دون رأي واختيار للأمة.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست