كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٤٦
المخالف لهم وجوه:
الأول: إن الإمامية عندنا من جملة ما هو أعظم أركان الدين، وإن الإيمان لا يثبت بدونها، وعندهم إنها ليست من أركان الدين بل هي من فروع الدين لكنها من المسائل الجليلة والمطالب العظيمة، فكيف يجوز استناد مثل هذا الحكم إلى اختيار المكلف وإرادته؟ ولو جاز ذلك لجاز فيما هو أدون منه من أحكام الفروع.
الوجه الثاني: إن الشارع نص على عدم الخيرة، فقال الله تعالى:
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فنقول: إما أن يكون الله تعالى قضى بترك الإمامة فلا يجوز للأمة الخيرة بإثباتها (1) وإما أن يكون قضى بها فتكون كغيرها من أحكام الشريعة التي نص الله تعالى عليها ولم يهملها وهو المطلوب.
الوجه الثالث: القول بالاختيار ونصب الإمام بقول المكلفين تقديم بين يدي الله تعالى ورسوله، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال عز من قائل:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) *.
الوجه الرابع: إن الله سبحانه وتعالى في غاية الرحمة والشفقة على العباد والرأفة بهم، فكيف يهمل الله تعالى أمر نصب الرئيس مع شدة الحاجة إليه (2) ووقوع النزاع العظيم مع تركه ومع استناده إلى اختيار المكلفين، فإن

(1) بل حتى لو لم نعلم بقضائه تعالى بترك الإمامة وإنما علمنا سكوته عنها فإن السكوت أيضا يمنع الأمة من الخيرة بإثباتها، لأن سكوته تعالى إن كان لعدم وجوبها، فكيف توجبها الأمة؟ وإن كان سكوته مع أنها واجبة عليه - فهو وإن كان محالا - إلا أن الأمة أجدر بالسكوت فيما سكت عنه العليم اللطيف سبحانه أفهل ترى أن الأمة أعلم وأدرى بالواجب بالصالح؟
(2) ولو فرض محالا إنه تعالى أهمله مع شدة الحاجة إليه لكانت الأمة أحق بالاهمال، فلماذا تكلفت اختياره؟.
فإن قلت: إنما أهمله رأفة بالأمة لئلا يقعوا في محذور مخالفته ولئلا يقع الهرج والمرج بالنص عليه، قلنا: إذا كان في نصبه محاذير لم تكن في نصبه مصلحة أو تكون المفسدة أغلب، فلا يجب عليه نصبه، فتكون الأمة في فسحة من هذا الواجب فهي بالاهمال أجدر فلا وجوب عليها لهذه المحاذير.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست