شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٥١٠
156 - لم يعن بالعلياء إلا سيدا * ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى .
١٥٦ - نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت في زيادات الديوان، لا في أصله، وقبله قوله:
وقد كفى من بدئه ما قد بدا * وإن ثنى في العود كان أحمدا اللغة: " بدئه " مبتدأ أمره وأول شأنه " بدا " ظهر " ثنى " عاد، تقول: ثنى يثني بوزن رمى يرمي وأصل معناه جمع طرفي الحبل فصير ما كان واحدا اثنين " كان أحمدا " مأخوذ من قولهم: عود أحمد، يريدون أنه محمود " يعن " فعل مضارع ماضيه عنى، وهو من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول، ومعناه على هذا أولع أو اهتم، تقول: عنى فلان بحاجتي وهو معني بها، إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها " العلياء " هي خصال المجد التي تورث صاحبها سموا ورفعة قدر " شفى " أبرأ، وأراد به ههنا هدى، مجازا " الغي " الجري مع هوى النفس والتمادي في الاخذ بما يوبقها ويهلكها " هدى " بضم الهاء وهو الرشاد وإصابة الجادة.
المعنى: لم يشتغل بمعالي الأمور، ولم يولع بخصال المجد، إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوي النفوس المريضة والأهواء المتأصلة من دائهم الذي أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.
الاعراب: " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يعن " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف، والفتحة قبلها دليل عليها " بالعلياء " جار ومجرور نائب عن الفاعل " إلا " أداة استثناء ملغاة " سيدا " مفعول به ليعن " ولا " الواو عاطفة، ولا نافية " شفى " فعل ماض " ذا " مفعول لشفى مقدم على الفاعل، وذا مضاف، و " الغي " مضاف إليه " إلا " أداة استثناء ملغاة " ذو " فاعل شفى، وذو مضاف، و " هدى " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " لم يعن بالعلياء إلا سيدا " حيث ناب الجار والمجرور وهو قوله " بالعلياء " عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " سيدا ".
والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به منصوبا، ولو أنه أنابه لرفعه، فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيد، والداعي لذلك أن القوافي كلها منصوبة، فاضطراره لتوافق القوافي هو الذي دعاه وألجأه إلى ذلك.
ومثل هذا البيت قول الراجز:
وإنما يرضي المنيب ربه * ما دام معنيا بذكر قلبه ومحل الاستشهاد في قوله " معنيا بذكر قلبه " حيث أناب الجار والمجرور - وهو قوله " بذكر " - عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله " قلبه " - بدليل أنه أتى بالمفعول به منصوبا بعد ذلك كما هو ظاهر.
والبيتان حجة للكوفيين والأخفش جميعا، لان النائب عن الفاعل في البيتين متقدم في كل واحد منهما عن المفعول به، والبصريون يرون ذلك من الضرورة الشعرية.