شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٥٢١
الأدوات، وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها، فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء، كقول الشاعر:
157 - لا تجزعي إن منفس أهلكته فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
157 - هذا البيت ساقط من أكثر النسخ، ولم نشرحه في الطبعة الأولى لهذه العلة، وهو من كلمة للنمر بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبذير، وكان من حديثه أن قوما نزلوا به في الجاهلية، فنحر لهم أربع قلائص، واشترى لهم زق خمر، فلامته امرأته على ذلك، ففي هذا يقول:
قالت لتعذلني من الليل: اسمع *، سفه تبيتك الملامة فاهجعي لا تجزعي لغد، وأمر غد له *، أتعجلين الشر ما لم تمنعي قامت تبكي أن سبات لفتية * زقا وخابية بعود مقطع اللغة: " لا تجزعي " لا تحزني، والجزع هو: ضعف المرء عن تحمل ما ينزل به من بلاء، وهو أيضا أشد الحزن " منفس " هو المال الكثير، وهو الشئ النفيس الذي يضن أهله به " أهلكته " أذهبته وأفنيته " هلكت " مت.
الاعراب: " لا " ناهية " تجزعي " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل " إن " شرطية " منفس " فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط، وقوله " أهلكته " جملة من فعل وفاعل ومفعول لا محل لها تفسيرية " فإذا " الفاء عاطفة، إذا: ظرفية تضمنت معنى الشرط " هلكت " فعل وفاعل، وجملتهما في محل جر بإضافة " إذا " إليها " فبعد " الفاء زائدة، وبعد:
ظرف متعلق بقوله " اجزعي " في آخر البيت، وبعد مضاف واسم الإشارة من " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " فاجزعي " الفاء واقعة في جواب إذا، وما بعدها فعل أمر، وياء المخاطبة فاعل، والجملة جواب إذا لا محل لها من الاعراب.
الشاهد فيه: قوله " إن منفس " حيث وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط التي هي " إن " والأكثر أن يلي هذه الأداة الفعل.
وقبل: أن نقرر لك ما في هذا البيت نخبرك أنه يروى بنصب " منفس " يروى برفعه.
فأما رواية النصب فهي التي رواها سيبويه وجمهور البصريين (انظر كتاب سيبويه 1 - 68، ومفصل الزمخشري 1 - 149 بتحقيقنا) ولا إشكال على هذه الرواية، لان " منفسا " حينئذ منصوب بفعل محذوف مفسر بفعل من لفظ الفعل المذكور بعده، والتقدير: إن أهلكت منفسا أهلكته.
والرواية الثانية برفع " منفس " وهي رواية الكوفيين، وأعربوها على أن " منفس " مبتدأ، وجملة " أهلكته " خبره، وهذا هو صريح عبارة الشارح قبل إنشاده البيت، واستدلوا به وبمثله على جواز وقوع الجملة الاسمية بعد " إن " و " إذا " الشرطيتين، وقالوا: إن الاسم المرفوع بعد هاتين الأداتين مبتدأ، والجملة بعده في محل رفع خبر، ومنهم من يجعل هذا الاسم المرفوع فاعلا لنفس الفعل المذكور بعده في نحو " إن زيد يزورك فأكرمه " بناء على مذهبهم من جواز تقديم الفاعل على الفعل الرافع له، فأما البصريون فلا يسلمون أولا رواية الرفع، ثم يقولون: إن صحت هذه الرواية فإنها لا تدل على جواز وقوع الجمل الاسمية بعد أداة الشرط، ولا تدل على جواز تقدم الفاعل على فعله، لان واحدا من هذين الوجهين غير متعين في إعراب الاسم المرفوع بعد أداة الشرط، بل هذا الاسم فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده، ويقدر المحذوف من لفظ المذكور إن كان الذي بعده قد رفع الضمير على الفاعلية، ومن معنى الفعل المتأخر إن كان قد نصب ضمير الاسم كما في هذا البيت المستشهد به، ومن الأول قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك) وهذا هو الراجح، وهو الذي قدره الشارح بعد إنشاد البيت، ثم ارجع إلى ما ذكرناه في تقدير العامل في المشغول عنه (في ص 518)، ثم انظر ما ذكرناه في باب الفاعل