شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٤٩٩
النائب عن الفاعل ينوب مفعول به عن فاعل * فيما له، كنيل خير نائل (1) يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه، فيعطى ما كان للفاعل: من لزوم الرفع، ووجوب التأخر عن رافعه، وعدم جواز حذفه (2)، وذلك نحو " نيل خير نائل " .
(1) " ينوب " فعل مضارع " مفعول " فاعل ينوب " به " جار ومجرور متعلق بمفعول " عن فاعل " جار ومجرور متعلق بينوب أيضا " فيما " مثله، وما اسم موصول " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول " كنيل " الكاف جارة لقول محذوف، نيل: فعل ماض مبني للمجهول " خير نائل " نائب فاعل، ومضاف إليه.
(2) الأغراض التي تدعو المتكلم إلى حذف الفاعل كثيرة جدا، ولكنها - على كثرتها - لا تخلو من أن سببها إما أن يكون شيئا لفظيا أو معنويا.
فأما الأسباب اللفظية فكثيرة: منها القصد إلى الايجاز في العبارة نحو قوله تعالى:
(فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) ومنها المحافظة على السجع في الكلام المنثور نحو قولهم:
من طابت سريرته حمدت سيرته، إذ لو قيل " حمد الناس سيرته " لاختلف إعراب الفاصلتين، ومنها المحافظة على الوزن في الكلام المنظوم، كما في قول الأعشى ميمون ابن قيس:
علقتها عرضا، وعلقت رجلا * غيري، وعلق أخرى غيرها الرجل فأنت ترى الأعشى قد بنى " علق " في هذا البيت ثلاث مرات للمجهول، لأنه لو ذكر الفاعل في كل مرة منها أو في بعضها لما استقام له وزن البيت، والتعليق ههنا:
المحبة، وعرضا: أي من غير قصد منى، ولكن عرضت لي فهويتها.
وأما الأسباب المعنوية فكثيرة: منها كون الفاعل معلوما للمخاطب حتى لا يحتاج إلى ذكره له، وذلك نحو قوله تعالى: (خلق الانسان من عجل) ومنها كونه مجهولا للمتكلم فهو لا يستطيع تعيينه للمخاطب وليس في ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة وذلك كما تقول: سرق متاعي، لأنك لا تعرف ذات السارق، وليس في قولك " سرق اللص متاعي " فائدة زائدة في الافهام على قولك " سرق متاعي " ومنها رغبة المتكلم في الابهام على السامع، كقولك: تصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: بصون اسمه عن أن يجري على لسانه، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر، كقولك: خلق الخنزير، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره لئلا يناله منه مكروه، ومنها خوف المتكلم على الفاعل فيعرض عن اسمه لئلا يمسه أحد بمكروه.