شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ١٣٩
ومنها: " ما " وتكون مصدرية ظرفية، نحو " لا أصحبك ما دمت منطلقا " [أي: مدة دوامك منطلقا] وغير ظرفية، نحو " عجبت مما ضربت زيدا " وتوصل بالماضي، كما مثل، وبالمضارع، نحو " لا أصحبك ما يقوم زيد، وعجبت مما تضرب زيدا " ومنه (1): (بما نسوا يوم الحساب) وبالجملة الاسمية، نحو " عجبت مما زيد قائم، ولا أصحبك ما زيد قائم " وهو قليل (2)، وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بلم، نحو " لا أصحبك ما لم تضرب زيدا " وبقل وصلها أعني المصدرية بالفعل المضارع الذي ليس منفيا بلم، نحو " لا أصحبك ما يقوم زيد " ومنه قوله:
25 - أطوف ما أطوف ثم * آوى إلى بيت قعيدته لكاع .

(1) أي من وصلها بالفعل، بقطع النظر عن كونه ماضيا أو مضارعا.
(2) اختلف النحويون فيما إذا وقع بعد " ما " هذه جملة اسمية مصدرة بحرف مصدري نحو قولهم: لا أفعل ذلك ما أن في السماء نجما، ولا أكلمه ما أن حراء مكانه فقال جمهور البصريين: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف، والتقدير على هذا: لا أكلمه ما ثبت كون نجم في السماء، وما ثبت كون حراء مكانه، فهو حينئذ من باب وصل " ما " المصدرية بالجملة الفعلية الماضوية، ووجه ذلك عندهم أن الأكثر وصلها بالأفعال، والحمل على الأكثر أولى، وذهب الكوفيون إلى أن " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع أيضا، إلا أن هذا المصدر المرفوع مبتدأ خبره محذوف، والتقدير على هذا الوجه: لا أفعل كذا ما كون حراء في مكانه ثابت، وما كون نجم في السماء موجود، فهو من باب وصل " ما " بالجملة الاسمية، لان ذلك أقل تقديرا.
25 - اشتهر أن هذا البيت للحطيئة - واسمه جرول - بهجو امرأته، وهو بيت مفرد ليس له سابق أو لاحق، وقد نسبه ابن السكيت في كتاب الألفاظ (ص 73 ط بيروت) - وتبعه الخطيب التبريزي في تهذيبه - إلى أبي غريب النصري.
اللغة: " أطوف " أي أكثر التجوال والتطواف والدوران، ويروى " أطود " بالدال المهملة مكان الفاء والمعنى واحد " آوى " مضارع أوى - من باب ضرب - إلى منزله، إذا رجع إليه وأقام به " قعيدته " قعيدة البيت: هي المرأة. وقيل لها ذلك لأنها تطيل القعود فيه " لكاع " يريد أنها متناهية في الخبث.
المعنى: أنا أكثر دوراني وارتيادي الأماكن عامة النهار في طلب الرزق وتحصيل القوت، ثم أعود إلى بيتي لأقيم فيه، فلا تقع عيني فيه إلا على امرأة شديدة الخبث متناهية في الدناءة واللؤم.
الاعراب: " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، و " ما " مصدرية " أطوف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا و " ما " مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول مطلق عامله قوله " أطوف " الأول " ثم " حرف عطف " آوى " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " إلى بيت " جار ومجرور متعلق بقوله " آوى " " قعيدته " قعيدة: مبتدأ، وقعيدة مضاف والضمير مضاف إليه " لكاع " خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ وخبره في محل جر نعت لقوله " بيت "، وهذا هو الظاهر، وأحسن من ذلك أن يكون خبر المبتدأ محذوفا، ويكون قوله " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف، وجملة النداء في محل نصب مفعول به للخبر، وتقدير الكلام على ذلك الوجه: قعيدته مقول لها: يا لكاع.
الشاهد فيه: في هذا البيت شاهدان للنحاة، أولهما في قوله " ما أطوف " حيث أدخل " ما " المصدرية الظرفية على فعل مضارع غير منفي بلم، وهو الذي عناه الشارح من إتيانه بهذا البيت ههنا، والشاهد الثاني يذكر في أواخر باب النداء في ذكر أسماء ملازمة النداء، وهو في قوله " لكاع " حيث يدل ظاهره على أنه استعمله خبرا للمبتدأ فجاء به في غير النداء ضرورة، والشائع الكثير في كلام العرب أن ما كان على زنة فعال - بفتح الفاء والعين - مما كان سبا للإناث لا يستعمل إلا منادى، فلا يؤثر فيه عامل غير حرف النداء، تقول: يا لكاع ويا دفار، ولا يجوز أن تقول: رأيت دفار، ولا أن تقول: مررت بدفار، ومن أجل هذا يخرج قوله " لكاع " هنا على حذف خبر المبتدأ وجعل " لكاع " منادى بحرف نداء محذوف كما قلنا في إعراب البيت.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 144 145 ... » »»
الفهرست