شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ١٣٤
فإذا أريد الإشارة إلى البعيد أتي بالكاف وحدها، فتقول: " ذاك " أو الكاف واللام نحو " ذلك ".
وهذه الكاف حرف خطاب، فلا موضع لها من الاعراب، وهذا لا خلاف فيه.
فإن تقدم حرف التنبيه الذي هو " ها " على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها، فتقول " هذاك " (1) وعليه قوله:
24 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ولا أهل هذاك الطراف الممدد .

(1) إذا كان اسم الإشارة لمثنى أو لجمع فإن ابن مالك يرى أنه لا يجوز أن يؤتى بالكاف مع حرف التنبيه حينئذ، وذهب أبو حيان إلى أن ذلك قليل لا ممتنع، ومما ورد منه قول العرجي، وقيل: قائله كامل الثقفي:
يا ما أميلح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر الشاهد فيه هنا: قوله " هؤليائكن " فإنه تصغير " أولاء " الذي هو اسم إشارة إلى الجمع، وقد اتصلت به " ها " التنبيه في أوله، وكاف الخطاب في آخره.
24 - هذا البيت لطرفة بن العبد البكري، من معلقته المشهورة التي مطلعها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد * تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد وقبل بيت الشاهد قوله:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي * وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها * وأفردت إفراد البعير المعبد اللغة: " خولة " اسم امرأة " أطلال " جمع طلل، بزنة جبل وأجبال، والطلل:
ما شخص وظهر وارتفع من آثار الديار (كالأثافي)؟ " برقة " بضم فسكون - هي كل رابية فيها رمل وطين أو حجارة، وفي بلاد العرب نيف ومائة برقة عدها صاحب القاموس، وألف فيها غير واحد من علماء اللغة، ومنها برقة ثهمد " تلوح " تظهر " الوشم " أن يغرز بالإبرة في الجلد ثم يذر عليه الكحل أو دخان الشحم فيبقى سواده ظاهرا " البعير المعبد " الأجرب " بني غبراء " الغبراء هي الأرض، سميت بهذا لغبرتها، وأراد ببني الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالأرض لشدة فقرهم، أو الأضياف، أو اللصوص " الطراف " بكسر الطاء بزنة الكتاب - البيت من الجلد، وأهل الطراف الممدد: الأغنياء.
المعنى: يريد أن جميع الناس - من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم - يعرفونه، ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن العشرة وطيب الصحبة للأغنياء وكأنه يتألم من صنبع قومه معه.
الاعراب: " رأيت " فعل وفاعل " بني " مفعول به، وبني مضاف، و " غبراء " مضاف إليه، ثم إذا كانت رأى بصربة فجملة " لا ينكرونني " من الفعل وفاعله ومفعوله في محل نصب حال من بني غبراء، وإذا كانت رأى علمية وهو أولى فالجملة في محل نصب مفعول ثان لرأى " ولا " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي " أهل " معطوف على الواو الذي هو ضمير الجماعة في قوله " لا ينكرونني " وأهل مضاف واسم الإشارة من " هذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الطراف " بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه " الممدد " نعت للطراف.
الشاهد فيه: قوله " هذاك " حيث جاء بها التنبيه مع الكاف وحدها، ولم يجئ باللام، ولم يقع لي - مع طويل البحث وكثرة الممارسة - نظير لهذا البيت مما اجتمعت فيه " ها " التنبيه مع كاف الخطاب بينهما اسم إشارة للمفرد، ولعل العلماء الذين قرروا هذه القواعد قد حفظوا من شواهد هذه المسألة ما لم يبلغنا، أو لعل قداماهم الذين شافهوا العرب قد سمعوا ممن يوثق بعربيته استعمال مثل ذلك في أحاديثهم في غير شذوذ ولا ضرورة تحوج إليه، فلهذا جعلوه قاعدة.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست