لسان العرب - ابن منظور - ج ١٥ - الصفحة ٥٩
ولا تغتر، ثم سأل ابن عباس فقال مثل ذلك، هذا مثل للعرب تضربه في التوصية بالاحتياط والأخذ بالحزم، وأصله أن رجلا أراد أن يقطع مفازة بإبله ولم يعشها، ثقة على ما فيها (* قوله ثقة على ما فيها إلخ هكذا في الأصل الذي بأيدينا، وفي النهاية: ثقة بما سيجده من الكلأ، وفي التهذيب: فاتكل على ما فيها إلخ.) من الكلإ، فقيل له: عش إبلك قبل أن تفوز وخذ بالاحتياط، فإن كان فيها كلأ يضرك ما صنعت، وإن لم يكن فيها شئ كنت قد أخذت بالثقة والحزم، فأراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتكالا على الإسلام، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط، قال ابن بري: معناه تعش إذا كنت في سفر ولا تتوان ثقة منك أن تتعشى عند أهلك، فلعلك لا تجد عندهم شيئا. وقال الليث: العشو إتيانك نارا ترجو عندها هدى أو خيرا، تقول: عشوتها أعشوها عشوا وعشوا، والعاشية: كل شئ يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الخلق الفراش وغيره، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار، وأنشد:
وعاشية حوش بطان ذعرتها بضرب قتيل، وسطها، يتسيف قال الأزهري: غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار، والعواشي جمع العاشية، وهي التي ترعى ليلا وتتعشى، وسنذكرها في هذا الفصل: والعشوة والعشوة: النار يستضاء بها. والعاشي: القاصد، وأصله من ذلك لأنه يعشو إليه كما يعشو إلى النار، قال ساعدة بن جؤية:
شهابي الذي أعشو الطريق بضوئه ودرعي، فليل الناس بعدك أسود والعشوة: ما أخذ من نار ليقتبس أو يستضاء به. أبو عمرو:
العشوة كالشعلة من النار، وأنشد:
حتى إذا اشتال سهيل بسحر، كعشوة القابس ترمي بالشرر قال أبو زيد: ابغونا عشوة أي نارا نستضئ بها. قال أبو زيد: عشي الرجل عن حق أصحابه يعشى عشى شديدا إذا ظلمهم، وهو كقولك عمي عن الحق، وأصله من العشا، وأنشد:
ألا رب أعشى ظالم متخمط، جعلت بعينيه ضياء، فأبصرا وقال: عشي علي فلان يعشى عشى، منقوص، ظلمني. وقال الليث:
يقال للرجال يعشون، وهما يعشيان، وفي النساء هن يعشين، قال: لما صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين تركت في يعشيان ياء على حالها، وكان قياسه يعشوان فتركوا القياس، وفي تثنية الأعشى هما يعشيان، ولم يقولوا يعشوان لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها، والنسبة إلى أعشى أعشوي، وإلى العشية عشوي. والعشوة والعشوة والعشوة: ركوب الأمر على غير بيان.
وأوطأني عشوة وعشوة وعشوة: لبس علي، والمعنى فيه أنه حمله على أن يركب أمرا غير مستبين الرشد فربما كان فيه عطبه، وأصله من عشواء الليل وعشوته مثل ظلماء الليل وظلمته، تقول: أوطأتني عشوة أي أمرا ملتبسا، وذلك إذا أخبرته بما أوقعته به في حيرة أو بلية. وحكى ابن بري عن ابن قتيبة: أوطأته عشوة أي غررته وحملته على أن يطأ
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست