والبخل، ألا ترى أنه لو قيل له امنع الحق فقال لا كان جودا منه؟ فأما إن جعلتها لغوا نصبت البخل بالفعل وإن شئت نصبته على البدل، قال أبو عمرو: أراد أبى جوده لا التي تبخل الإنسان كأنه إذا قيل له لا تسرف ولا تبذر أبى جوده قول لا هذه، واستعجلت نعم فقال نغم أفعل ولا أترك الجود، قال: حكى ذلك الزجاج لأبي عمرو ثم قال: وفيه قولان آخران على رواية من روى أبى جوده لا البخل: أحدهما معناه أبى جوده البخل وتجعل لا صلة كقوله تعالى: ما منعك أن لا تسجد، ومعناه ما منعك أن تسجد، قال: والقول الثاني وهو حسن، قال: أرى أن يكون لا غير لغو وأن يكون البخل منصوبا بدلا من لا، المعنى: أبي جوده لا التي هي للبخل، فكأنك قلت أبى جوده البخل وعجلت به نعم. قال ابن بري في معنى البيت: أي لا يمنع الجوع الطعم الذي يقتله، قال: ومن خفض البخل فعلى الإضافة، ومن نصب جعله نعتا للا، ولا في البيت اسم، وهو مفعول لأبى، وإنما أضاف لا إلى البخل لأن لا قد تكون للجود كقول القائل: أتمنعني من عطائك، فيقول المسؤول: لا، ولا هنا جود. قال: وقوله وإن شئت نصبته على البدل، قال: يعني البخل تنصبه على البدل من لا لأن لا هي البخل في المعنى، فلا يكون لغوا على هذا القول.
* لا التي تكون للتبرئة: النحويون يجعلون لها وجوها في نصب المفرد والمكرر وتنوين ما ينون وما لا ينون، والاختيار عند جميعهم أن ينصب بها ما لا تعاد فيه كقوله عز وجل: ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه، أجمع القراء على نصبه. وقال ابن بزرج: لا صلاة لا ركوع فيها، جاء بالتبرئة مرتين، وإذا أعدت لا كقوله لا بيع لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فأنت بالخيار، إن شئت نصبت بلا تنوين، وإن شئت رفعت ونونت، وفيها لغات كثيرة سوى ما ذكرت جائزة عندهم.
وقال الليث: تقول هذه لاء مكتوبة فتمدها لتتم الكلمة اسما، ولو صغرت لقلت هذه لوية مكتوبة إذا كانت صغيرة الكتبة غير جليلة.
وحكى ثعلب: لويت لاء حسنة عملتها، ومد لا لأنه قد صيرها اسما، والاسم لا يكون على حرفين وضعا، واختار الألف من بين حروف المد واللين لمكان الفتحة، قال: وإذا نسبت إليها قلت لووي (* قوله لووي إلخ كذا في الأصل وتأمله مع قول ابن مالك:
وضاعف الثاني من ثنائي * ثانيه ذو لين كلا ولائي) وقصيدة لووية: قافيتها لا. وأما قول الله عز وجل: فلا اقتحم العقبة، فلا بمعنى فلم كأنه قال فلم يقتحم العقبة، ومثله: فلا صدق ولا صلى، إلا أن لا بهذا المعنى إذا كررت أسوغ وأفصح منها إذا لم تكرر، وقد قال الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك لا ألما؟
وقال بعضهم في قوله: فلا اقتحم العقبة، معناها فما، وقيل:
فهلا، وقال الزجاج: المعنى فلم يقتحم العقبة كما قال فلا صدق ولا صلى ولم يذكر لا ههنا إلا مرة واحدة، وقلما تتكلم العرب في مثل هذا المكان إلا بلا مرتين أو أكثر، لا تكاد تقول لا جئتني تريد ما جئتني ولا نري صلح (* قوله نري صلح كذا في الأصل بلا نقط مرموزا له في الهامش بعلامة وقفة.) والمعنى في فلا اقتحم موجود لأن لا ثابتة كلها في الكلام، لأن