ما القافية على مذهب هؤلاء من غير إسهاب ولا إطناب، وأما ما حكاه الأخفش من أنه سأل من أنشد:
لا يشتكين عملا ما أنقين فلا دلالة فيه على أن القافية عندهم الكلمة، وذلك أنه نحا نحو ما يريده الخليل، فلطف عليه أن يقول هي من فتحة القاف إلى آخر البيت فجاء بما هو عليه أسهل وبه آنس وعليه أقدر، فذكر الكلمة المنطوية على القافية في الحقيقة مجازا، وإذا جاز لهم أن يسموا البيت كله قافية لأن في آخره قافية، فتسميتهم الكلمة التي فيها القافية نفسها قافية أجدر بالجواز، وذلك قول حسان:
فنحكم بالقوافي من هجانا، ونضرب حين تختلط الدماء وذهب الأخفش إلى أنه أراد هنا بالقوافي الأبيات، قال ابن جني: لا يمتنع عندي أن يقال في هذا إنه أراد القصائد كقول الخنساء:
وقافية مثل حد السنا ن تبقى، ويهلك من قالها تعني قصيدة والقافية القصيدة، وقال:
نبئت قافية قيلت، تناشدها قوم سأترك في أعراضهم ندبا وإذا جاز أن تسمى القصيدة كلها قافية كانت تسمية الكلمة التي فيها القافية قافية أجدر، قال: وعندي أن تسمية الكلمة والبيت والقصيدة قافية إنما هي على إرادة ذو القافية، وبذلك ختم ابن جني رأيه في تسميتهم الكلمة أو البيت أو القصيدة قافية. قال الأزهري: العرب تسمي البيت من الشعر قافية وربما سموا القصيدة قافية. ويقولون: رويت لفلان كذا وكذا قافية. وقفيت الشعر تقفية أي جعلت له قافية.
وقفاه قفوا: قدفه أو قرفه، وهي القفوة، بالكسر. وأنا له قفي: قاذف. والقفو القذف، والقوف مثل القفو. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: نحن بنو النضر بن كنانة لا نقذف أبانا ولا نقفو أمنا، معنى نقفو: نقذف، وفي رواية: لا ننتفي عن أبينا ولا نقفو أمنا أي لا نتهمها ولا نقذفها. يقال: قفا فلان فلانا إذا قذفه بما ليس فيه، وقيل: معناه لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات. وقفوت الرجل إذا قذفته بفجور صريحا. وفي حديث القاسم بن محمد:
لا حد إلا في القفو البين أي القذف الظاهر. وحديث حسان بن عطية: من قفا مؤمنا بما ليس فيه وقفه الله في ردغة الخبال. وقفوت الرجل أقفوه قفوا إذا رميته بأمر قبيح. والقفوة: الذنب. وفي المثل: رب سامع عذرتي لم يسمع قفوتي، العذرة: المعذرة، أي رب سامع عذري لم يسمع ذنبي أي ربما اعتذرت إلى من لم يعرف ذنبي ولا سمع به وكنت أظنه قد علم به. وقال غيره: يقول ربما اعتذرت إلى رجل من شئ قد كان مني إلى من لم يبلغه ذنبي. وفي المحكم: ربما اعتذرت إلى رجل من شئ قد كان مني وأنا أظن أنه قد بلغه ذلك الشئ ولم يكن بلغه، يضرب مثلا لمن لا يحفظ سره ولا يعرف عيبه، وقيل: القفوة أن تقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه.
وأقفى الرجل على صاحبه: فضله، قال غيلان الربعي يصف فرسا:
مقفى على الحي قصير الأظماء