فمن هنا دخلت على هذه في هذه الأفعال. وقوله تعالى: لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أراد تعالى: لأكلوا من قطر السماء ومن نبات الأرض، وقيل: قد يكون هذا من جهة التوسعة كما تقول فلان في خير من فرقه إلى قدمه. وقوله تعالى: إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، عنى الأحزاب وهم قريش وغطفان وبنو قريظة قد جاءتهم من قوقهم وجاءت قريش وغطفان من ناحية مكة من أسفل منهم.
وفاق الشئ فوقا وفواقا: علاه. وتقول: فلان يفوق قومه أي يعلوهم، ويفوق سطحا أي يعلوه. وجارية فائقة: فاقت في الجمال. وقولهم في الحديث المرفوع: إنه قسم الغنائم يوم بدر عن فواق أي قسمها في قدر فواق ناقة، وهو قدر ما بين الحلبتين من الراحة، تضم فاؤه وتفتح، وقيل:
أراد التفضيل في القسمة كأنه جعل بعضهم أفوق من بعض على قدر غنائهم وبلائهم، وعن ههنا بمنزلتها في قولك أعطيته عن رغبة وطيب نفس، لأن الفاعل وقت إنشاء الفعل إذا كان متصفا بذلك كان الفعل صادرا عنه لا محالة ومجاوزا له، وقال ابن سيده في الحديث: أرادوا التفضيل وأنه جعل بعضهم فيها فوق بعض على قدر غنائهم يومئذ، وفي التهذيب: كأنه أراد فعل ذلك في قدر فواق ناقة، وفيه لغتان: من فواق وفواق. وفاق الرجل صاحبه:
علاه وغلبه وفضله. وفاق الرجل أصحابه يفوقهم أي علاهم بالشرف. وفي الحديث حبب إلي الجمال حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك نعل، فقت فلانا أي صرت خيرا منه وأعلى وأشرف كأنك صرت فوقه في المرتبة، ومنه الشئ الفائق وهو الجيد الخالص في نوعه، ومنه حديث حنين:
فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع وفاق الرجل فواقا إذا شخصت الريح من صدره. وفلان يفوق بنفسه فؤوقا إذا كانت نفسه على الخروج مثل يريق بنفسه. وفاق بنفسه يفوق عند الموت فوقا وفؤوقا: جاد، وقيل: مات.
ابن الأعرابي: الفوق نفس الموت. أبو عمرو: الفوق الطريق الأول، والعرب تقول في الدعاء: رجع فلان إلى فوقه أي مات، وأنشد:
ما بال عرسي شرقت بريقها، ثمت لا يرجع لها في فوقها؟
أي لا يرجع ريقها إلى مجراه. وفاق يفوق فؤوقا وفواقا: أخذه البهر. والفواق: ترديد الشهقة العالية. والفواق: الذي يأخذ الإنسان عند النزع، وكذلك الريح التي تشخص من صدره، وبه فواق، الفراء:
يجمع الفواق أفيقة، والأصل أفوقة فنقلت كسرة الواو لما قبلها فقلبت ياء لانكسار ما قبلها، ومثله: أقيموا الصلاة، الأصل أقوموا فألقوا حركة الواو على القاف فانكسرت وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف فقرئت أقيموا، كذلك قولهم أفيقة.
قال: وهذا ميزان واحد، ومثله مصيبة كانت في الأصل مصوبة وأفوقة مثل جواب وأجوبة. والفواق والفواق: ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب. يقال: ما أقام عنده إلا فواقا. وفي حديث علي: قال له الأسير يوم صفين: أنظرني فواق ناقة أي أخرني قدر ما بين الحلبتين. وفلان يفوق بنفسه فؤوقا إذا كانت نفسه على الخروج.