الله على ولطفه بي أن حببه إلى، فبذلت الوسع في تحصيل ما وفقت له من أنواعه، حتى صارت في قوة الاطلاع على خفاياه وإدراك خباياه. ولم آل جهدا - والله الموفق - في إكمال الطلب وابتغاء الأرب، إلى أن تشبثت من كل بطرف تشبهت فيه بأضرابي، ولا أقول تميزت به على أترابي.
فلله الحمد على ما أنعم به من فضله وأجزل به من طوله... " (1).
وقال ياقوت: " كان عالما فاضلا وسيدا كاملا، قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث وشيوخه وصحته وسقمه، والفقه، وكان شافعيا ".
وفي الشذرات: " قال ابن خلكان: كان فقيها محدثا أديبا نحويا، عالما بصنعة الحساب والإنشاء، ورعا عاقلا مهيبا ذا بر وإحسان " (2).
وهكذا لم يترك أبو السعادات بابا من أبواب المعرفة إلا ولجه، ولا نافذة من نوافذ الثقافة إلا أطل منها، حتى اكتملت له شخصية علمية ناضجة، غنيت جوانبها وأثرى إنتاجها.
ومجد الدين يقول الشعر - مقلا - على طريقة العلماء، ولكن له بعض مقطوعات تشف عن حس أدبي رهيف. قال ياقوت: " حدثني عز الدين أبو الحسن قال: حدثني أخي أبو السعادات - رحمه الله - قال: كنت أشتغل بعلم الأدب على الشيخ أبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان النحوي البغدادي بالموصل، وكان كثيرا ما يأمرني بقول الشعر، وأنا أمتنع من ذلك، قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم رأيت الشيخ في النوم وهو يأمرني بقول الشعر، فقلت له: ضع لي مثالا أعمل عليه، فقال:
جب الفلا مدمنا إن فاتك الظفر * وخد خد الثرى والليل معتكر فقلت أنا:
فالعز في صهوات الخيل مركبه * والمجد ينتجه الإسراء والسهر فقال لي: أحسنت، هكذا فقل، فاستيقظت فأتممت عليها نحو العشرين بيتا.
" وحدثني عز الدين أبو الحسن قال: كتب أخي أبو السعادات إلى صديق له في صدر كتاب والشعر له: