أقول: أول من اختار هذا التفصيل وأقدمهم زمانا هو ذلك المحدث، ولا بأس بتوضيح مراده على نحو الاقتضاء.
فاعلم أن مراده أنه إذا كان العلم النظري منتهيا إلى مادة قريبة من الإحساس فلا يقع فيه الخطأ من العلماء من حيث نتائج أفكارهم المنكشفة بها ولا الخلاف منهم في ذلك، إذ الخلاف إنما يكون فيما إذا كان المطلوب من الأوامر النظرية الخفية القابلة للخطأ فيها فما لم يقع فيه الخطأ منهم لوضوح طريقه كما فيما ينكشف من المقدمات القريبة من الإحساس لا يقع فيه الخلاف بينهم.
وتوضيح عدم وقوع الخطأ فيها أن الخطأ في الفكر إما من جهة الخطأ في مادة القياس وإما من جهة الخطأ في صورته، وكلاهما منفيان فيها.
أما الأول فلان الحس كافل له وعاصم عن الخطأ فيه.
وأما الثاني فلأن ما ارتكز في أذهانهم من قواعد الاستدلال وكيفية ترتيب القياس عاصم عن الخطأ من جهته أيضا، فإن قواعد القياس مركوزة في أذهان العوام بل الحيوانات وعاصمة لهم عن الخطأ من جهة الصورة، فكيف بالعلماء.
لا يقال: إن الحس قد يخطئ فليس كافلا للخطأ من جهة المادة.
لأنا نقول: إنه على تقديره في غاية الندرة، واحتماله عند العقلاء في غاية البعد، بحيث يكون في حكم المعدوم، بل هو عندهم مجرد تجويز العقل بحيث لا يشكون فيما أخبر به عن حس بعد العلم بعدم تعمد الكذب، وانحصار سبب كذب الخبر في حكايته عن حسه.
ألا ترى أنهم لا يفرقون بين الإخبار عن إحساس شيء وبين الإخبار عن نفس المحسوس، كأن يقول الراوي سمعت أن الصادق عليه السلام قال كذا أو يقول قال الصادق عليه السلام كذا.
هذا بخلاف ما إذا لم ينته إلى مادة قريبة من الإحساس، لعدم ما يكفل عن الخطأ فيه من جهة المادة، فلا بد فيه من الرجوع إلى الصادقين