كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر (1) أسحم (2)، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به.
ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان أبيض يقق (3)، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق (4).
وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع ولا شموس قيظ.
وقد ينحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعا، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه! وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحيانا صفرة عسجدية (5). فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين؟! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه! فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون فأدركته محدودا مكونا، ومؤلفا ملونا، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته! (6)