إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره.
قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية من محبته، وتمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق (1) خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم. ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض (2) رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجف لطول المناجاة أسلات (3) ألسنتهم، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار (4) إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل (5) في هممهم خدائع الشهوات.
قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار (6) بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم، فينوا (7) في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك