وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا.
بعض هلك، وبعض نجا. لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مره (1) العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم " (2).
وقد عاد الإمام إلى ذكر أولئك الأخلاء في آخر خطبة ألقاها، قبل عدة أيام من اغتياله، فقال: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق! أين عمار!
وأين ابن التيهان! وأين ذو الشهادتين! وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة! " (3).
على خط آخر كان الخوارج جزءا من جند الإمام ومقاتلي جيشه، ثم ما لبثوا أن تحولوا بعد صفين إلى موقع مناهض للإمام، فكان مآلهم أن قتلوا في النهروان، أو صاروا أحلاس بيوتهم. وبذلك غابت عن صفوف العسكر أيضا هذه القوة القتالية الوثابة، فصار الإمام علي (عليه السلام) وحيدا فريدا غريبا.