﴿ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله﴾ (٢).
ثم محنتك يوم صفين وقد رفعت المصاحف حيلة ومكرا، فأعرض الشك، وعرف الحق، واتبع الظن، أشبهت محنة هارون؛ إذ أمره موسى على قومه فتفرقوا عنه، وهارون يناديهم: ﴿يقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى﴾ (1) وكذلك أنت لما رفعت المصاحف قلت: يا قوم إنما فتنتم بها وخدعتم. فعصوك وخالفوا عليك واستدعوا نصب الحكمين، فأبيت عليهم وتبرأت إلى الله من فعلهم وفوضته إليهم، فلما أسفر الحق، وسفه المنكر، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد، واختلفوا من بعده، وألزموك على سفه التحكيم الذي أبيته، وأحبوه، وحظرته وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه، وأنت على نهج بصيرة وهدى، وهم على سنن ضلالة وعمى، فما زالوا على النفاق مصرين، وفي الغي مترددين، حتى أذاقهم الله وبال أمرهم، فأمات بسيفك من عاندك فشقي وهوى، وأحيا بحجتك من سعد فهدى، صلوات الله عليك غادية ورائحة وعاكفة وذاهبة، فما يحيط المادح وصفك، ولا يحبط الطاعن فضلك، أنت أحسن الخلق عبادة، وأخلصهم زهادة، وأذبهم عن الدين، أقمت حدود الله بجهدك، وفللت عساكر المارقين بسيفك، تخمد لهب الحروب ببنانك، وتهتك ستور الشبه ببيانك، وتكشف لبس الباطل عن صريح الحق، لا تأخذك في الله لومة لائم، وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين، قال الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما