فإنذاره ليس إلا صوريا ولرفع عذره، ولئلا يكون له على الله حجة.
هذا وإن شئت، قلت: إن الإرادة التشريعية على ضربين:
ضرب منها ما يعلم المريد من حال المراد منه أنه ينبعث نحو المأمور به بأمره، ويحركه ويصير داعيا له، فيطلب منه ذلك بالطلب الحقيقي والإرادة الجدية.
وضرب منها ما يعلم المريد من حال المراد منه أنه لا يتأثر بأمره، فيحكم بأمره أو نهيه بما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، وينشئ ما يصلح أن يكون داعيا له، ولكن لا طلب له حقيقيا في هذه الصورة، ولا يريد انبعاث المأمور بهذا الامر بالإرادة الجدية، بل لا يصح إطلاق الطلب والإرادة على ذلك بنحو الحقيقة، إلا مجازا وبالتمحل، بخلاف الأول، فإن إطلاق الطلب والإرادة، وانه مريد وطالب، يكون على نحو الحقيقة.
وعلى هذا نقول: إن الإرادة المذكورة في الآية، وإن كانت تشريعية، إلا انها من النوع الأول الذي أراد الآمر والناهي بالإرادة الجدية والطلب الحقيقي، انبعاث المأمور، وأمره ونهيه يصدر منه بداعي انبعاثه، وصراحة الآية في ذلك، ان الإرادة المذكورة ليست من النوع الثاني، في غاية الوضوح.
وإن أبي المعاند كل ذلك أيضا، وقال: إن الإرادة التشريعية عامة تشمل جميع المكلفين، المطيعين والعاصين، على السواء، قلنا:
لا تنازع في الألفاظ والأسماء والاصطلاحات، وقد قيل من قديم " لا مشاحة في الاصطلاح ". فعرف الإرادة التشريعية بما شئت، وقل:
إن الإرادة التشريعية هي جعل يصلح لان يكون داعيا للعبد أو زاجرا له، أو إنشاء ما له قابلية الداعوية وبعث العبد نحو الفعل أو الترك.