" لا تزن "، أو لا تشرب الخمر "، ويريد القيام، وترك الزنا، وترك شرب الخمر بالإرادة الجدية ممن يعلم أنه لا ينبعث بهذا الامر، ولا يأتمر به، ولا ينزجر عن الزنا وشرب الخمر، ولا ينتهي بنهيه عنهما، حتى لو كان المولى من الموالي العرفيين، ولم يعلم ذلك من العبد، واحتمل في حقه تأثير أمره فيه وانبعاثه به وتحريكه نحو الفعل، لا تتأتى منه الإرادة الجدية بمجرد ذلك الاحتمال، بل إنما يأمر وينهي برجاء انبعاث عبده، أو انتهائه.
والحاصل انه لا يعقل تعلق الإرادة الجدية والطلب الحقيقي بصدور فعل عمن يعلم المريد أنه لا يفعله. والامر أو النهي في هذه الصورة لا يكون إلا صوريا.
وما ذكرناه يستفاد من كثير من الآيات القرآنية الكريمة كقوله تعالى: " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ". 6 وقوله تعالى: " إنما تنذر من أتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة واجر كريم ". 7 وقوله تعالى جده: " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ". 8 وقوله سبحانه: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ". 9 فإرادة قبول الانذار من المنذر، والانذار بقصد أن ينذر المنذر لا يكون حقيقيا إلا إذا كان المنذر ممن اتبع الذكر، وخشي الرحمان بالغيب، ويؤثر فيه الانذار. أما من لم يؤثر ذلك، ولا ينذر بالانذار،