والجواب على النحو العام هو ان أفعال الله تعالى كلها متقنة محكمة صدرت منه لأغراض متعالية، والتفضيل المشاهد في العالم إما يحصل لعلل يقتضيها ضيق عالم المادة، وما جعل الله في كل جزء من أجزاء هذا العالم بتقديره من التأثير في غيره أو التأثر منه، وإما يحصل لعلل اختيارية تؤثر في كمال النفس وفضلها، وتؤثر في تفضيل بعض الافراد من الانسان والحيوان والنبات على غيرها، وقد يحصل لعلل أخرى اختيارية للعبد، وغير اختيارية، مما يوجب الترجيح ويؤثر فيه.
والجهات المرجحة كثيرة، لا يمكننا إحصائها ومعرفة تفاصيلها. فإذا وجد بإذن الله تعالى وتقديره شخص قابل لإفاضة غيبية وعناية ربانية كالعصمة والعلوم اللدنية لا يحرم منها، ويستحيل أن يمنع الله تعالى ذلك عنه، والله تعالى أعلم بموارد عناياته وإفاضاته.
هذا، ولنا أن نقول ان النظام لا يتم، وبل لا يقوم إلا على التفضيل والاختصاص والاصطفاء. فاختصاص العين بالرؤية، والاذن بالسمع، وسائر الأعضاء بخاصية معينة، وكذا اختصاص هذا الشجر بهذا الثمر، وهذا بهذا، هو المقوم لهذا النظام بإذن الله تعالى، ولو لم يكن هذا الاختصاص لم يكن هذا العالم، و " ذلك تقدير العزيز العليم ". 12 فالاصطفاء والاختصاص والتفضيل أمر واقع في عالم التكوين مهما كانت علله، معلومة كانت لنا أو مجهولة عندنا. نرى ذلك بالعيان، ونقرأه في تراجم الأنبياء والأولياء، وأرباب العقول الكبيرة وغيرها، كما نلمس عصمة الأنبياء، والأولياء من خلال سيرتهم وعباداتهم و خصائصهم وأخلاقهم لا يمكننا إنكار الواقعيات، والقرآن المجيد أيضا ناطق باصطفاء بعض الناس على بعض، وبعض الأنواع على البعض.