هو تمثله بما تمثل به موسى عند خروجه من المدينة إذ تلا قوله تعالى: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (1) فالقوم الظالمون الذين عناهم موسى هم فرعون وجنوده ومن أطاعهم، والقوم الظالمون الذين عناهم الإمام الحسين هم الخليفة وجنوده ومن أطاعهم، وهذا معلوم بالضرورة، وكلاهما كان مطاردا، وكلاهما يريد النجاة وكلاهما يمثل الشرعية الإلهية، في مجتمعين أدارا ظهرهما بالكامل لهذه الشرعية. فعندما خرج موسى فرارا بدينه وبحياته لم يكن يعلم أين سيتجه، فهو طالب للمأوى والمأمن، والمنعة من فرعون وجنوده، أينما وجد المأوى، وأينما وجد المنعة، كذلك فإني أجزم بأن الحسين لم يكن يعلم إلى أين سيتجه ولا بأي جهة سيجد المأوى والأمن والمنعة له ولأهل البيت ومن معهم!! بدليل قول الإمام الحسين لابن مطيع: " أما في وقتي هذا أريد مكة، فإذا صرت إليها استخرت الله في أمري بعد ذلك " (2).
وقد أكمل الإمام الحسين رسم الصورة كاملة فلما وصل إلى مكة، أخذ يتلو قوله تعالى: * (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * [القصص / 22] (3) فالحسين موقن أن مكة له بمثابة مدين بالنسبة لموسى، وكما أدرك موسى الهدى الرباني، فإن الله سيهدي حسينا إلى الجهة التي ينبغي المسير إليها، فأقام في مكة باقي شعبان، ورمضان، وشوال وذي القعدة خلال هذه المدة هداه ربه إلى السبيل الواجب اتباعه، والجهة التي ينبغي الذهاب إليها.