بأيديهم بالوقت الذي تكون فيه عيونهم تسيل دما حزنا على الحسين، وقلوبهم تنفطر أسى جزعا لما فعلوا بالحسين، لقد خالف الله ما في صدورهم عما في ألسنتهم!! لقد جعل الله باطنهم شيئا، وظاهرهم شيئا آخر، وهذا أحدث فن من فنون العذاب ومسخ إنسانية الإنسان وأقصى ما فعله الأنصار للإمام الحسين أن خرج معه خمسة منهم، رافقوه بكل المراحل، ولم يتخلوا عنه، وقاتلوا برجولة نادرة بين يديه حتى قتلوا (1)، وعذر أنصار المدينة أنهم ضاعوا وسط الأكثرية التي كانت على الشرك ثم أسلمت وصارت أكثرية مسلمة، واستولت على الخلافة بالقوة، فصار حاكم الأنصار هو عدوها الذي حاربته بالأمس تحت قيادة الرسول وآله، فكانت عيون الأكثرية الحاكمة مفتوحة على كل حركة وسكنة للأنصار، وكان الأنصار بنظر الأكثرية الحاكمة موضع شبهة بموالاة آل محمد الذين قادوا الحرب ضد تلك الأكثرية عندما كانت على الشرك، وكان على الأنصار وأولادهم إذا ما أرادوا الحياة أن يثبتوا لبطون قريش ال 23 أنهم ليسوا مع آل محمد!!!
فضلا عن ذلك فإن الأنصار صاروا قلة قليلة جدا وسط الكثرة التي كانت مشركة ثم أسلمت، ووسط الكثرة الوافدة من البلاد المفتوحة، وبالتالي قلت أهمية الأنصار، وتضاءلت فاعليتهم. لكل هذه الأسباب اضطر الإمام الحسين ليخرج من المدينة كارها!!.
أهداف الإمام المرحلية:
وفق التحليلات الدقيقة للإمام الحسين، - والتي أشرنا إليها قبل قليل - رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية، لذلك امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان. الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم، يعتبر خروجا على طاعة الخليفة الغالب، وعدم القبول بخلافته، ووفق قوانين دولة الخلافة السائدة