الجهة التي صمم الإمام الحسين على الذهاب إليها:
قلنا إن الإمام الحسين، يريد مكانا يأويه، وأهل بيته ومن معهم، ويريد جماعة من الناس تلتزم بحمايته ونصرته، ولا فرق عنده أين يقع هذا المكان، وأين تكون تلك الجماعة، فهو لا يريد أن يبقى مكشوفا من دون أمن ولا حماية حتى لا يكره على ما لا يريد، وحتى لا يذبح هو وأهل بيته في مكانهم، دون أن يأخذ بالأسباب. بهذا الوقت بالذات كتب له جماعة من أهل الكوفة كتابا جاء فيه:
" الحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد " يعنون موت معاوية " الذي انتزى على هذه الأمة، فابتزها وغصبها فيأها، وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود..
وقالوا: إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا، وبينوا أنهم لا يجتمعون مع واليهم النعمان بن بشير لا في جمعة ولا في عيد، وأكدوا له أنه إن بلغهم أنه سيأتي إليهم فسيخرجون الوالي من الكوفة.
وجاءت رسالة أخرى من بعض شخصيات الكوفة جاء فيها: أما بعد " فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل والسلام ".
وجاءته رسالة ثالثة، أما بعد: " فقد اخضر الجنان، وأينعت الثمار، وطم الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة "، ولما وصلت هذه الرسائل وأمثالها كتب الإمام الحسين رسالة جاء فيها: " إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين، أما بعد فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملتكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله " (1).