وباختصار لقد نالت الأمة من الحسين وأهل بيت النبوة ونالوا منها، وما أشبه هذا القول بقول الإمام علي: " فويل لهم منكم، وويل لكم منهم " (1).
لقد قامت الحجة على الأمة بالفعل، ولم تنصر الإمام الحسين وأهل بيت النبوة إنما خذلتهم مع سبق الإصرار وبعد قيام الحجة، واكتشف الإمام الحسين أن أفراد أمة جده والأكثرية الساحقة جدا منهم كاره للموت وقيمه بالحياة حتى أنهم ليكادون أن يموتوا من الرعب حذر الموت، لذلك صمم وبكل قواه أن يكسر حاجز الخوف، وأن يعطي الأمة دروسا من الموت وعن الموت ليشفيها من مرضها القاتل " الرعب من الموت " فسار الإمام الحسين أمام أفراد الأمة كلها في رحلة الموت، ثم خاض بحار الموت شرقا ومغربا على حد تعبيره وطارد الموت مطاردة ساخنة حثيثة، وكلما مر منه الموت لاحقه، حتى ليخال الناظر - وهو مصيب - بأن الآية قد انقلبت، وأن الموت صار يخشى الإمام وأهل بيته ومن والاهم بدلا من أن يخشونه، وبدلا الإمام رحلة الموت ومطاردة الموت أمام الأمة، وبخطوات واثقة متزنة كأنها بالتصوير الفني البطئ ليحررههم من عقدة الخوف من الموت، فالإمام مصر إصرار بالغا على أن يكشف حقيقة نظام يزيد للعالم، فهو بالظاهر والادعاء خليفة رسول الله، وفي الحقيقة والممارسة هو الفرعون وجنوده، وكما أن الإمام مصر على إقامة الحجة على الأمة، هو مصر أيضا على تحريرها من عقدة الخوف، ومصر على إجبارها على معرفة الواقع، ومقارنته بالشرعية الإلهية لتعرف البون الشاسع بين النقيضين، لقد توصل الإمام الحسين إلى نتيجة مفادها أن أهل المدينة لن ينصروه، ولن يحموه، بل سيسلمونه للفرعون وجنوده، وأن الأمة ستخذله لذلك كله قرر أن يكشف هذا الغيب للأمة، وأن يترجمه إلى وقائع، وأن يبدأ رحلة الموت والشهادة بمغادرة المدينة وترك جوار جده كارها.
إلى أين يا ابن رسول الله!!!:
فأقاليم دولة الخلافة المترامية الأطراف هي عبارة عن ضيعات كبيرة يملكها