وأبو جعفر ليس الرجل الذي ينتظر حتى ينكشف له أمر فيه غرر.
بل هو يبتدر الخطر. قال أبو أيوب الجوزي: بعث إلى أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على الكرسي وبين يديه شمعة. وفي يده كتاب.
فلما سلمت عليه رمى الكتاب إلى، وهو يبكى، وقال: هذا ابن سليمان (والى المدينة) يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات. فإنا لله وإنا إليه راجعون قالها ثلاثا. ثم قال: وأين مثل جعفر؟ ثم قال: اكتب.
فكتبت صدر الكتاب، ثم قال (اكتب إن كان قد أوصى إلى رجل يعينه فقدمه واضرب عنقه).
هكذا يأمر بقتل من يجهله. ويحرمه حق المحاكمة. لمجرد أن من فحوى الوصية لرجل بعينه أنها رسالة للأمة تعلن الإمام الجديد!.
لكن الله كف بطش أبى جعفر. فرجع الجواب إليه أن الإمام أوصى إلى خمسة هم: أبو جعفر المنصور وابن سليمان، وعبد الله وموسى وحميدة. والأخيرون ولدا الإمام وزوجه. فليس هنا وصى بعينه. والأولان أبو جعفر ذاته وواليه. وليس إلى قتل هؤلاء من سبيل!
وما كانت وصية " الصادق " لأبي جعفر وواليه إلا توصية لهما بالأمة. وتذكيرا لهما بأنهما ملاقيا الله مثله. وأبو جعفر أجدر خلق الله بأن يذكره الناس بالموت. وأن يذكروه عند الموت، إن محبين له وإن مبغضين.
ولما قرن الإمام أبا جعفر بابنيه وزوجه، كان يذكره أن يخاف الله فيهم وفي ذوي رحمه.
* * * كان أبو جعفر يسابق الموت إلى من تتم الوصية إليه وحده. ففوتت عليه وصية الإمام بغيا، لم يمنعه من مقارفته تساقط دمعه، أو أن يسترجع الله مرات ثلاثة، كأنه يجعل الدمع مدادا لأمر يهتبل الفرصة لإصداره، ليقطع رأس إمام جديد من أهل البيت يطاف بها في المدائن.
وأنسته شياطين الفزع والطمع، أن يذكر ما علمه الصادق من صلة الرحم. وازداد نسيانا يوم لا أحد ينسى!