فما تناقلته كتب الشيعة من الحديث، هو التراث النبوي - في صميمه - بلغ الشيعة في يسر طوع لعلمهم الازدهار. في حين لم يجمع أهل السنة هذا التراث إلا بعد أن انكب عليه علماؤهم قرنا ونصف قرن حتى حصلوا ما دونوه في المدونات الأولى. ثم ظلوا قرونا أخرى، يجوبون الفيافي والقفار في كل الأمصار، فتطابقت السنة - في مجموعها - عند هؤلاء وأولاء، إلا أمورا لا تتصل بأصل الدين، وخلافات في الفروع ليست بدعا في الأمة.
وربما كان اختلاف مذاهب أهل السنة فيما بينهم وبين أنفسهم أكثر ظهورا في بعض المسائل من خلافهم فيها مع فقهاء الشيعة.
وإذا لا حظنا أن من الرواة من قيل إنه روى عشرات الآلاف من الحديث عن الإمام، تجلت كفاية الترات الموثوق به عند الشيعة لحاجات الأمة.
وإذا لا حظنا توثيق الشافعي ومالك وأبي حنيفة ويحيى بن معين وأبى حاتم والذهبي للإمام الصادق - وهم واضعو شروط المحدثين وقواعد قبول الرواية وصحة السند - فمن الحق التقرير بأن حسبنا أن نقتصر على التفتيش عن رواة السنة عن الإمام الصادق.
والشيعة يكفيهم أن يصلوا بالحديث إلى الإمام. لا يطلبون إسنادا قبل الإمام جعفر. بل لا يطلبون إسنادا قبل الأئمة عموما. لأن الإمام بين أن يكون يروى عن الإمام الذي أوصى له، وبين أن يكون قرأ الحديث في كتب آبائه - إلى ذلك فإن ما يقوله سنة عندهم. فهو ممحص من كل وجه.
فليست روايته للحديث مجرد شهادة به، بل هي إعلان لصحته.
وإذ كان ما رواه الصادق، رواية الباقر ورواية السجاد عن الحسين عن الحسن أو عن علي عن النبي، فهذا يصحح الحديث على كل منهج فالثلاثة الأخيرون من الصحابة المقدمين. يروون عن صاحب الرسالة، إذ يروى الحسن والحسين عن علي عنه.
ولا مرية كان منهج على ومن تابعه في التدوين خيرا كبيرا للمسلمين، منع المساوئ المنسوبة إلى بعض الروايات، وأقفل الباب دون افتراء الزنادقة