ولم يعب الصحابة بعضهم على بعض الملابس من أعلى وأدنى. لا يعيب صاحب الخز على صاحب الصوف ولا صاحب الصوف يعيب على صاحب الخز.
* * * في هذا المجلس تتلمذ الإمام جعفر وروى عنه - كما يقول أرباب الإحصاءات - أربعة آلاف من الرواة وكتب عنه أربعمائة كاتب. كلهم يقول: قال جعفر بن محمد.
فأي مجلس كان ذلك المجلس! تتراءى فيه أشياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعضها مادي يجرى في أصلاب رجل بعد رجل. وبعضه معنوي يتراءى في معانيه وفحوى مقولاته، لكل هؤلاء.
ليس بالمجلس لجاجة ولا حجاج عقيم. يقول للتلامذة (من عرف شيئا قل كلامه فيه. وإنما سمى البليغ بليغا لأنه يبلغ حاجته بأدنى سعيه).
إذا سأل سائل عن خلافات الصحابة أجاب (علمها عند ربى في كتاب. لا يضل ربى ولا ينسى).
يهتدى بهديه الكبراء في الامتناع عن الجواب في خلاف الصحابة. يقول أحمد بن حنبل إذ يسأل عما كان بين الصحابة: كان بينهم شئ الله أعلم به.
ومع ذلك يعجب ويتساءل عن طلحة والزبير: أكانا يريدان أعدل من على؟
ولا يضيع الحق في المجلس: سمع أن أحد الولاة نال من أمير المؤمنين على..! فوقف الصادق فقال (ألا أنبئكم بأعلى الناس ميزانا يوم القيامة وأبينهم خسرانا؟ من باع آخرته لغيره. وهذا هو الفاسق). وعرف الناس الفاسق الذي باع آخرته لمن يشتهون أن يقدح لهم في علي بن أبي طالب.
والمقياس عند صاحب المجلس هو الإخلاص لله والرسول. يقول ويروى عن آبائه عن أمير المؤمنين على (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية. ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة).