وكمثلهم كان المحدثون العظماء: يحيى بن سعيد محدث المدينة وابن جريج وابن عيينة محدثا مكة. ابن عيينة هو المعلم الأول للشافعي في الحديث. فلندع الأئمة وصف مكانهم من الإمام - وفيه وصف مجالس علمه:
يقول مالك بن أنس (كنت أرى جعفر بن محمد. وكان كثير الدعابة والتبسم. فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال. إما مصليا وإما قائما وإما يقرأ القرآن.
وما رأيته يحدث عن رسول الله إلا على الطهارة.
ولا يتكلم فيما لا يعنيه.
وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون الله. وما رأيته قط إلا ويخرج وسادة من تحته ويجعلها تحتي).
وفي مقولة أخرى يضيف مالك (وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، إذا قال (قال رسول الله) اخضر مرة واصفر أخرى حتى ينكره من يعرفه. ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كلماهم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخر عن راحلته. فقلت:
يا ابن رسول الله. أولا بد لك أن تقول! قال: كيف أجرؤ أن أقول لبيك وأخشى أن يقول الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك)..
وإنا لنذكر ما كان يصنعه جده زين العابدين في هذا المقام.
وأصبح مالك إذا ذكر النبي اصفر لونه. فإذا تساءل جلساؤه قال:
لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم على ما ترون. ويذكر لهم حال ابن المنكدر (1) ثم يعقب بحال جعفر.