وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه فأومأ إلي فجلست، ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه. ثم التفت إلي فقال: ألق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا:
فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشئ، ثم قال أبو حنيفة: أليس أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟
وروى قاضي القضاة أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي المتوفى سنة 665 في كتاب جامع مسانيد أبي حنيفة، الذي جمعه من خمسة من مسانيد أبي حنيفة، وهي الكتب التي جمعوا فيها ما رواه أبو حنيفة، وأكثرها مكررات في الفصل الرابع الذي هو في الفضائل من الباب الثالث الذي في الإيمان، المطبوع بحيدر آباد الدكن شنة 1332 في صفحة 222، عن الحافظ طلحة بن محمد في مسنده عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد عن جعفر بن محمد بن الحسين الحازمي، عن أبي نجيع إبراهيم بن محمد بن الحسين عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال: جعفر بن محمد أفقه من رأيت!
ولقد بعث إلي جعفر المنصور إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له مسائل شدادا " فلخصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور بالحيرة، ثم أبرد إلي (1) فوافيته على سريره وجعفر بن محمد عن يمينه، فتداخلني من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور، فأجلسني ثم التفت إلى جعفر قائلا: