فتعجبت منه ثم قلت في نفسي: لعله معامله ثم أقول: وما حاجته إذا إلى المسارقة، ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى. وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء فقلت له: يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك فلقيتك، ولكني رأيت منك ما شغل قلبي، وإني أسألك عنه ليزول به شغل قلبي قال:
ما هو؟ قلت رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين، ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين! فقال لي: قبل كل شئ حدثني من أنت!
قلت: رجل من ولد آدم، من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم!
قال: حدثني ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم! قال: أين بلدك؟ قلت المدينة! قال: لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؟
قلت: بلى! فقال لي: فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به، وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح عليه فاعله؟ قلت: وما هو؟ قال: القرآن، كتاب الله؟ قلت: وما الذي جهلت منه؟ قال قول الله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة لا يجزى إلا مثلها " وأني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربعة سيئات، فلما تصدقت بكل واحد منها كان لي بها أربعون حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربعا بالأربع السيئات، بقي لي ست وثلاثون حسنة!
قلت ثكلتك أمك! أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت الله يقول:
" إنما يتقبل الله من المتقين " إنك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كانت أيضا سيئتين، ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما